نقص الكتاب المدرسي يعمّق أزمة الطلاب في العراق (صور)
تتوجه "أم سارة" قاصدة شارع المتنبي وسط العاصمة العراقية بغداد للبحث عن "كتب مصوَّرة" لأبنائها الأربعة، بعد قضائهم شهرين منذ بدء العام الدراسي من دون كتب.
ويعد شارع المتنبي من أهم المراكز التجارية المختصة ببيع وشراء أنواع الكتب، فضلاً عن كونه قبلة مهمة للثقافة والفن.
وكانت وزارة التربية قد فتحت أبواب مدارسها أمام الطلبة والتلاميذ في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد توقف نحو عامين جراء انتشار فيروس كورونا.
وبحسب بيانات رسمية، التحق نحو 11 مليون طالب خلال العام الدراسي الحالي باستثناء محافظات إقليم كردستان، في وقت يعاني العراق من أزمة خانقة في أعداد المدارس مما اضطرها اللجوء للدوام الثنائي والثلاثي.
وتبلغ الحاجة الفعلية للعراق من المدارس لفك الدوام المزدوج، نحو 15 ألف مبنى لجعل الصفوف الدراسية مثالية من حيث عدد الطلاب ووفق المقاييس العالمية.
وأقرت وزارة التربية العراقية العودة إلى الدوام الحضوري لهذا العام بواقع 4 أيام فيما تستكمل البقية عبر آليات التعليم الإلكتروني.
ومع اجترار الوقت واقتراب الموسم الدراسي من الوصول إلى المنتصف، لم تستطع الوزارة توفير الكتب للطلاب، ما يضطر أولياء الأمور للاعتماد على المكتبات.
تقول أم سارة التي تعيش في شقة مؤجرة غربي بغداد إنها اضطرت مؤخرا للاقتراض من جارتها لتوفير ثمن الكتب لابنتين بالمرحلة المتوسطة وولدين في المستوى الابتدائي.
وتتراوح كلفة الكتاب الواحد المستنسخ نحو 3 دولارات، مؤهلاً للارتفاع كلما تقدّمت نحو المراحل المتقدمة في الدراسة الثانوية والإعدادية.
ويعاني العراق من مستويات فقر متصاعدة منذ سنوات يقابلها نسب بطالة تقترب من 25%، حيث تقدر قيمة الدخل اليومي للفرد العراقي بنحو 8 دولارات يومياً، بحسب إحصائيات لمنظمات اقتصادية مختصة.
تتحدث أم سارة التي تعيش هي وعائلتها على راتب تقاعدي من زوجها المتوفي، عن معاناتها مع تكاليف المدارس والتي فاقمتها الكتب المنهجية.
المتحدث باسم وزارة التربية حيدر فاروق عزا أسباب ذلك التأخير إلى جوانب تتعلق بالمخصصات المالية والتحول من نظام التعليم عن بعد إلى الدوام الحضوري.
ويؤكد فاروق في تصريح مقتضب أن "السبب المباشر هو قلة المخصصات المالية لطباعة الكتب، وقيام بعض إدارات المدارس بتسريب الكتب المدرسية إلى الأسواق".
عام متعثر كالعادة
من جانبها، تؤكد السيدة انتصار حافظ، وهي تضطلع بمسؤولية مدير مدرسة ثانوية للبنات في العاصمة بغداد، أن "عقبات التعليم في العراق تتفاقم يوماً بعد يوم دون تذليل أو مؤشرات تدلل فرص التعافي".
وتوضح حافظ لـ"العين الإخبارية" أن "أغلب العوائل العراقية اليوم تنحسر فرص معيشتهم عبر الدخل البسيط الذي يكاد أن يوفر أبسط متطلبات الحياة وبالتالي فإن تحميل أولياء الأمور كلفة شراء الكتب يفاقم من أزمتهم المادية".
وتشير إلى أنها اعتمدت في استكمال المناهج المقررة عبر نسخ معدودة وزّعت على بعض الطالبات والكادر التدريسي مما يجعل عملية التدريس شاقة وصعبة على كلا الجانبين.
وتتابع بالقول: "اعتدنا كل عام أن نكون بمواجهة نقص الكتب المنهجية ولكن لم تستغرق ذلك الوقت الذي وصلت إلى اليوم".
من جانبه، يقول حيدر لازم، أستاذ مادة الرياضيات في مدرسة عند أطراف بغداد الشرقية، إن "التأخر في استكمال الكتب المدرسية المقررة تتحمل تبعاته وزارة التربية وانعكاسات ذلك على مستوى فهم الطالب ومستواه الدراسي".
ويلفت إلى أن "الواقع التربوي في العراق يعاني تراجعاً كبيراً بفعل ظروف عدة ومنذ سنوات وقد تفاقم ذلك بعد أزمة كورونا، مما ينذر بولادة أجيال سطحية في العلم والمعرفة".
ويضيف لازم لـ"العين الإخبارية" أن "أزمة النقص في الكتب المنهجية تفاقم من تلك الأوضاع وتزيد من اتساع الهوة بين المدرسة والطالب "، مشدداً على ضرورة تدارك الأمر من قبل المعنيين.
كتب إنقاذ
وفي محاولة للتخفيف عن كاهل الطالب وذويه، يطلق مجموعة من أصحاب البسطات الخاصة ببيع الكتب، حملة مجانية لتوفير بعض المناهج الدراسية وبشكل مجاني.
يتحدث حسن فاضل لـ"العين الإخبارية" عن جمع أكثر من 300 كتاب مدرسي بمعية بعض الأصدقاء وتوزيعها على الطلبة ممن ينحدرون من طبقات فقيرة.
ويشير إلى ان "بعض البائعة أبدوا تفهما وتعاوناً مع مشروعهم الخيري وقدموا الكثير من التسهيلات بشأن ذلك الأمر سواء بتوفير الكتب مجاناً أو بنصف قيمتها السوقية".
وخلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، صنفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) النظام التعليمي في العراق كأحد أفضل النظم التعليمية على مستوى العالم، حيث أحرز حينها المركز الأول عربياً.
إلا أنه وبعد أكثر من 4 عقود على ذلك التصنيف، أظهر مؤشر جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في "دافوس" خروج العراق وعدد من الدول العربية من معايير جودة التعليم العالمي.
ومؤخراً كشفت اليونيسف، عن وجود ما يقرب من 3.2 مليون طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدرسة.
وأشارت إلى أن نحو 54% من الأطفال من الخلفيات الاجتماعية الفقيرة لا يكملون تعليمهم الثانوي، وينتهي بهم المطاف في سوق العمل غير الرسمي، فيصبحون عرضة للإساءة والاستغلال.
aXA6IDE4LjExNy4xNDUuNjcg جزيرة ام اند امز