ترامب في قلعة الغرانيت والفولاذ.. رحلة أخيرة قبل أن ينتهي العالم

في أعماق جبال الروكي المكلّلة بالثلوج، حيث يختلط جمال الطبيعة ببرودة الحسابات الاستراتيجية، يختبئ وراء جدران من الغرانيت الصلب عالم موازٍ لا يراه الناس، لكنه يرسم خرائط النجاة لواشنطن في لحظة الصفر.
إنه مجمع جبل شايان؛ القلعة الصامتة التي شُيّدت في أعماق الأرض لتكون عقل أمريكا الخفي، وملاذها الأخير إذا انطفأت أنوار الحضارة فوق السطح تحت وابل من النيران النووية.
فماذا نعرف عنه؟
يعود تاريخ المجمع الملقّب بـ"ذا نوتش"، إلى ذروة الحرب الباردة، وصُمم ليكون الملاذ الأخير للقيادة الأمريكية حال اندلاع حرب نووية - ويُتوقع أن يكون مركز قيادة الرئيس دونالد ترامب في حال نشوب الحرب العالمية الثالثة.
وفي جولة نادرة حصلت عليها قناة نيوز نيشن، فُتحت أبواب المخبأ أمام الكاميرات للمرة الثانية فقط منذ أكثر من نصف قرن، كاشفة عن مدينة جوفية متكاملة بُنيت داخل كتلة صخرية تزن نحو 70 ألف طن من الغرانيت الصلب.
المنشأة محمية بأبواب فولاذية ضخمة يبلغ سمكها نحو متر واحد، وتخضع لسلسلة معقدة من نقاط التفتيش الأمنية، وتستطيع تحمل انفجار نووي أقوى بألف مرة من قنبلة هيروشيما.
ويضم المجمع محطات توليد كهرباء مستقلة، وبحيرات جوفية لتوفير مياه الشرب، إضافة إلى مخزونات ضخمة من الطعام تكفي الطواقم لفترات طويلة من العزلة. وحتى مطعم الوجبات السريعة الشهير "صبواي" له فرع عامل داخل المجمع.
هندسة مصممة للبقاء
تغطي منشآت المخبأ مساحة تبلغ 5.1 فدان، وتضم 15 مبنى معلقاً على نوابض فولاذية عملاقة تمتص الصدمات الناتجة عن الانفجارات النووية.
ويُعرف القسم الرئيسي باسم "سطح المعركة، وهو مركز العمليات المشتركة الذي يتولى تنسيق الدفاعات الأمريكية والكندية في حالات الطوارئ القصوى.
أُنشئ المجمع عام 1966 بتكلفة بلغت -آنذاك- 142 مليون دولار - ما يعادل أكثر من مليار دولار بأسعار اليوم. وكان يُوصف في ذروة الحرب الباردة بأنه "أكثر مكان أماناً على وجه الأرض"، ومصمم خصيصاً لصدّ هجمات الصواريخ السوفياتية العابرة للقارات.
ويقول الجنرال غريغوري غيو، قائد القيادة الشمالية الأمريكية وقيادة الدفاع الجوي الفضائي: "المجمع لا يزال بنفس الأهمية التي كان عليها عند افتتاحه. ما استُثمر فيه في الستينيات كان استثماراً بعيد النظر. نحن نستخدمه اليوم كما استخدمه أسلافنا."
يتمتع المخبأ بدرع مزدوج من الغرانيت والفولاذ يحميه من النبضات الكهرومغناطيسية الناتجة عن التفجيرات النووية، فيما يمكن إغلاق الأبواب الهيدروليكية العملاقة خلال 45 ثانية فقط، أو حتى يدوياً في حالة الطوارئ القصوى.
وقد تم إغلاق المداخل بالكامل مرة واحدة فقط منذ نهاية الحرب الباردة، في 11 سبتمبر/أيلول 2001، عندما وُضع المجمع في حالة عزلة تامة لحماية القيادة الأمريكية.
ورغم نقل المقر الرئيسي لقيادة القيادة الشمالية الأمريكية وقيادة الدفاع الجوي الفضائي إلى قاعدة بيترسون عام 2008، لا يزال مجمع جبل شايان في حالة جاهزية كاملة كمركز بديل، حيث تتناوب الفرق العسكرية على العمل داخله لضمان استمرار التشغيل في أي لحظة.
من شاشة السينما لواقع الحرب النووية
تحوّل المجمع إلى رمز ثقافي أمريكي ظهر في أفلام ومسلسلات مثل وور غيمز عام 1983 وستارغيت، باعتباره مركز الدفاع الأخير حال نهاية العالم. لكن بعيداً عن الخيال السينمائي، لا يزال الموقع جزءاً فعلياً من خطة الولايات المتحدة للبقاء بعد الكارثة النووية.
ففي حال وقوع هجوم نووي، يتم إجلاء الرئيس الأمريكي أولاً إلى المخبأ السفلي في البيت الأبيض، قبل نقله إلى إحدى طائرات "يوم القيامة - طائرات بوينغ مخصصة لتأمين القيادة أثناء الحرب النووية.
أما وزير الدفاع وكبار المسؤولين في الحكومة والكونغرس، فيتم توزيعهم على مواقع محصّنة أخرى مثل جبل ويذَر في فرجينيا، ورافن روك في بنسلفانيا، حيث تشكّل هذه المنشآت شبكة متكاملة من مخابئ الاستمرارية الحكومية في زمن الحرب.
مخابئ الزعماء حول العالم
فكرة "القيادة تحت الأرض" ليست حكراً على الولايات المتحدة.
ففي روسيا، يمتلك الكرملين شبكة أنفاق ومخابئ هائلة تحت موسكو، يُعتقد أن بعضها قادر على استيعاب أكثر من 10 آلاف شخص، أبرزها مخبأ تاجانسكايا الذي بُني في خمسينيات القرن الماضي.
أما في الصين، فيوجد تحت العاصمة بكين ما يُعرف باسم "المدينة التحتية"، وهي نظام دفاعي واسع أنشئ في عهد ماو تسي تونغ ليحمي السكان والقيادة في حال وقوع حرب نووية.
وفي بريطانيا، توجد منشأة سرّية تعرف باسم "بورتون داون" وموقع آخر قرب باث أعد ليكون مقر الحكومة البديلة في حال ضرب لندن نووياً.
لكن رغم هذه الشبكات العالمية، يبقى مجمع جبل شايان رمزاً خاصاً للقوة التكنولوجية والعسكرية الأمريكية — تجسيداً لفكرة أن الدولة العظمى لا تترك مصيرها للصدفة، حتى في أحلك السيناريوهات.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjEg جزيرة ام اند امز