تتلخص الأزمة الأوروأمريكية مع النفط الروسي في 3 كلمات سر: "سقف السعر" و"نوادي الحماية والتعويض" و"التأمين المحلي".
ومع إعلان أوروبا الوصول باحتياطيات الغاز إلى 80% قبل موسم الشتاء، أصبح ساسة "البيت الأبيض" متفائلين بنجاح الضغط على الكرملين وإخضاعه للجلوس على طاولة المفاوضات لإنهاء الأزمة الأوكرانية.
أما عن كلمة السر الأولى، "سقف السعر"، فالأمر ببساطة هو أن محاولات مقاطعة النفط الروسي جراء الأزمة الأوكرانية لم تفلح وكبدت أوروبا -تحديدا مجموعة السبع- خسائر باهظة.. لدرجة أن "بلومبيرج" توقعت أن يصل سعر الميجاوات الواحدة في فرنسا إلى 1000 يورو بحلول 2023 (ما يعادل نحو 10 براميل نفط)، لذلك اقترحت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، وضع سقف سعري لبرميل النفط الروسي، بحيث تبيع روسيا نفطها بسعر أقل من السعر الحالي، وبهامش ربح طفيف على تكلفة الإنتاج، وعليه تنخفض عائدات النفط، فتُضطر موسكو للجلوس إلى طاولة المفاوضات أو وقف العمليات العسكرية في الأراضي الأوكرانية.
ولكن روسيا لم تتقبل الأمر، وهددت بقطع إمدادات الغاز والنفط عن أوروبا، وهو أمر وارد، خصوصا أنها قطعت الغاز بالفعل عن فرنسا وألمانيا خلال الشهر الجاري، فضلا عن بولندا وبلغاريا وفنلندا وهولندا والدنمارك في يونيو/حزيران الماضي.
ولكن رهان الولايات المتحدة يعتمد على عاملين، الأول هو أن وقف إنتاج النفط يعرّض روسيا لخسائر مادية وأضرار فنية لا حصر لها، خصوصًا أن وقف الإنتاج قد يتسبب في أعطال بمنصات النفط، وهي مسألة فنية معروفة عالميا، ولعل جميعنا يتذكر حادثة يوم الاثنين 20 أبريل/نيسان 2020 عندما بيعت العقود الآجلة لشهر مايو/أيار 2020 من خام غرب تكساس بأقل من دولار للبرميل (البرميل= 159 لترا)، والسبب هو امتلاء المخازن بسبب الإغلاق العام، جراء كورونا وتوقف سلاسل الإمداد، الأمر الذي هدد بتوقف وإغلاق منصات نفط أمريكي في تكساس.
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا لديها مُشترين آخرين، الصين والهند، وتركيا التي تستورد النفط الروسي لتعيد تصديره إلى أوروبا "المُعاقبة"، وبالتالي روسيا لن توقف الإنتاج نهائيا في حالة قطعت النفط والغاز عن أوروبا.
كلمة السر الثانية، "نوادي الحماية والتعويض"، وهو العامل الثاني الذي تراهن عليه الولايات المتحدة للضغط على موسكو من خلال لندن، وبمعنى أدق من خلال منع نوادي الحماية والتعويض في لندن من التأمين على ناقلات النفط الروسية، وبالتالي لن يقبل أي ميناء في العالم أن ترسو سفينة نفط روسية واحدة على أحد أرصفته، وهي غير مؤمّن عليها أو على طاقمها.
أما كلمة السر الثالثة، "التأمين المحلي"، فإن الكرملين يسعى حاليا إلى إيجاد حل عاجل لها في حالة امتناع نوادي الحماية والتعويض البريطانية التأمين على ناقلاته، وهو تأمين محلي على الناقلات، ورغم أنها تكلفة كبيرة ولا تتمتع بالاعتراف الدولي مثل نوادي التأمين البريطانية، ولكنه حل قد ينجح.
وفي مشهد تراجيدي، صرح الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، تعليقا على سعي الاتحاد الأوروبي لتحديد سقف سعري للغاز الروسي، قائلا: "لن نوفر الغاز لدول الاتحاد".
وأكد أن موسكو ستوقف إمدادات الغاز لأوروبا إذا مضت بروكسل قدما في تحديد سقف لسعر الغاز الروسي.
وكتب "ميدفيديف" على تطبيق تليجرام الجمعة 2 سبتمبر/أيلول 2022: "ببساطة، لن يكون هناك غاز روسي في أوروبا"، ردا على تصريحات لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بشأن وضع سقف للسعر الذي تدفعه أوروبا مقابل الغاز الروسي.
وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف: "الشركات التي تفرض حدّا أقصى للسعر لن تكون بين الحاصلين على النفط الروسي"، وأضاف: "ببساطة، لن نتعاون معها على مبادئ غير سوقية".
وسرعان ما جاء الرد سريعا من "البيت الأبيض" الذي أصدر بيانا قائلا: "سنعمل في الأسابيع المقبلة على تحديد سقف سعري للنفط الروسي".
الكل يريد أن يقيد "بوتين" عبر أسعار النفط والغاز، كما الحال بالضبط الذي يريده القيصر وعبر الأداة نفسها، لكن في الحالتين تعاني أوروبا من نقص الطاقة.. ولا يزال الشتاء على الأرض هو المحك والمعيار الذي سنقول به مَن انتصر من الجانبين في معركة ليّ ذراع يدفع ثمنها العالم كله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة