نرجسية وإدمان واكتئاب.. ما وراء صور السيلفي
الهدف من الصور الذاتية هو تحسين مستوى الرضا لدى الأشخاص، إذ إنَّها تلتقط عادة في وضعيّات تثير إعجاب المُتفرِّج.
بات التقاط صور السيلفي عادة يوميّة لملايين البشر الذين يولون أهميّة كبيرة للمظاهر والمعلومات الفوريّة ويتقنون التلاعب بالمشاعر ومحو المسافات، وهي ممارسات سائدة في عالم افتراضي قد تكون وخيمة العاقبة.
وقالت المحللة النفسية إلسا جودار: "نحن فعلاً في مجتمع الصورة الزائلة، وصور السيلفي تعكس انبعاث لغة جديدة مفعمة بالعواطف".
وأوضح المحلل النفسي البرازيلي كريستيان دانكر، أستاذ علم النفس في جامعة ساو باولو: "هذه الصور اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، وهي توفر تواصلاً لنا مع عدد كبير من الأشخاص".
وأشارت أخصائية علم السيميائيات (العلامات)، بولين إسكاند جوكييه، إلى أنَّ المنطق وراء هذه الصور يقوم قبل أي شيء على إيجاد أو تعزيز الرابط مع المجتمع أو المعجبين في حال كان الشخص مشهوراً أو مع المواطنين في حالة الساسة.
والهدف من الصور الذاتيّة هو تحسين مستوى الرضا لدى الأشخاص، إذ إنَّها تلتقط عادة في وضعيّات تثير إعجاب المُتفرِّج، كمثل التصوير خلال ممارسة هواية الغوص، وتتيح هذه التقنية للأشخاص التحكم الكامل بصورتهم.
وحول الذاتيّة التي يبرزها الأشخاص خلال التقاطهم صور السيلفي، تقول إلسا جودار صاحبة كتاب "أنا ألتقط صور سيلفي إذاً أنا موجود": "هذه ليست إشكاليّة نرجسيّة إذ إنَّ بعض النرجسيّة أمر إيجابي للغاية، لكنها إشكاليّة أنانيّة تتعلق بالإفراط في تقدير الذات".
ويتغذَّى هذا التقدير المفرط للذات من السعي لحصد أكبر عدد من علامات "الإعجاب" على الصور، كما أنَّه غالباً ما يكشف عن بعض مكامن النرجسيّة لدى الأشخاص.
وتتيح صور السيلفي الاستعراضيّة بالتمايز من خلال تصوير الأشخاص أنفسهم في أوضاع استثنائيّة، مثل الروسية أنجيلا نيكولاي الملقبة بملكة "التسلق الحضري"، بسبب صورها غير العادية التي التقطتها متدليّة من أعلى كاتدرائية "ساجرادا فاميليا" الشهيرة في برشلونة أو عند قمة برج شنجهاي الشاهق.
وقالت إلسا جودار إنَّ "هذه السلوكيّات خطرة للغاية وتعطي انطباعاً بأنَّه في الإمكان اللعب مع الموت.
في المقابل، بات لصور السيلفي التي تنطوي على تقليل من شأن الذات عدد متزايد من الهواة خصوصاً في أوساط الشباب، وفي هذا الإطار، يلتقط بعض المصابين بالاكتئاب صور سيلفي لهم تسمح لهم أيضاً بالصمود، وفقاً لجودار.
وتنتشر أيضاً ظاهرة "فوتوبومب" القائمة على اقتحام خلفيّة صورة ذاتيّة يلتقطها أحدهم من دون علمه، بهدف الإضحاك أو توجيه رسالة.
وأصبحت صور السيلفي أداة للتعبير عن الالتزام بقضايا معينة، كحالة ناشطين بيئيين ينشرون صورهم قبل تنظيف الشاطئ وبعده، أو نساء مؤيدات للرضاعة الطبيعية يلتقطن صوراً ذاتيّة للطفل وهو يرضع حليب الأم.
وتمثِّل صور السيلفي تجارة قائمة بذاتها وأداة تواصل لنجمات مثل كيم كارداشيان، التي يتابع حسابها على أنستقرام 142 مليون شخص.
وينشر البعض صوراً ذاتيّة إلى جانب جثامين ذويهم المتوفين حديثاً، وقالت المحللة النفسية: "إنَّ هذا الأمر يحيي شخصاً متوفياً في العالم الافتراضي، لا وجود للموت في هذا الفضاء"
وأشارت إلى أنَّ فيسبوك يمنع بشكل أو بآخر الملايين من الموت من خلال إبقاء حساباتهم مفتوحة بعد وفاتهم.
السيلفي قد تتحول إلى إدمان، وفي هذا قالت بولين إسكاند جودييه: "كما في كل ظاهرة ثمة تبعات سلبية، إذ إنَّ بعض الأشخاص يدخلون في حال من التبعية لنظرة الآخرين لهم".
وتتيح بعض التطبيقات تغيير ملامح الوجه بهدف إزالة التجاعيد مثلاً للتناسق مع المعايير الجمالية السائدة في عالم اليوم.
وقال كريستيان دانكر إنَّ صور السيلفي تمارس ضغطاً مستمراً على الأشخاص ليبقوا أكثر حرية وسعادة مما هم في الواقع.