ماذا بعد إرجاء انتخابات السنغال؟.. «العين الإخبارية» ترصد السيناريوهات
جدل ومخاوف تنبض على وقعهما السنغال منذ إقرار البرلمان مشروع قانون يرمي لإرجاء الانتخابات الرئاسية المقررة بعد أسابيع، إلى نهاية 2024.
وتستمر حالة الغليان والاحتجاجات في الشارع السنغالي إثر قرار الرئيس ماكي سال، بإلغاء مرسوم يحدد موعد الاقتراع.
وأثارت الخطوة ضجة كبيرة ومخاوف من تصاعد العنف في هذا البلد المعروف بأنه يشكل عامل استقرار والتحول السلمي للسلطة في غرب أفريقيا منذ تسعينيات القرن الماضي.
- جلسة أبعدت عنها المعارضة.. برلمان السنغال يرجئ «الرئاسيات» لديسمبر
- السنغال تغلي.. احتجاجات تأجيل الرئاسيات تصل إلى البرلمان
سيناريوهات
قرار تأجيل الانتخابات يضع السنغال أمام 2 من السيناريوهات – وفق خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، إما انفجار الأوضاع في الشارع العام، وإجبار السلطات على إجراء الانتخابات في وقت قريب، أو ربما تتعقد الأمور بتدخل الجيش الذي قد يحدث تغييرا بالقوة ستكون له تداعيات كبيرة على منطقة الساحل الأفريقي والتي تعاني من انقلابات بالفترة الأخيرة.
ويرى عطية عيسوي، الخبير بالشأن الأفريقي بجريدة الأهرام المصرية، أن تأجيل الانتخابات في السنغال "أمر منطقي".
ويقول عطية في حديثه لـ "العين الإخبارية"، إن "القرار جاء منطقيا رغم أنه أثار غضب المعارضة وأنصارها في الشارع، ومع أنه مفاجئ بسبب استبعاد كثير من المرشحين".
ويضيف أن "القرار من الناحية القانونية حوله العديد من الاستفهامات، وأن الرئيس ماكي سال حاول حسم مسألة التأجيل حتى لا يقال إنه ضد الاستبعاد دون السماع لإرادة الشعب".
وبحسب الخبير، فإن "ما يؤخذ على القرار هو أنه جاء بشكل مفاجئ، وأن التأجيل لأكثر من 6 أشهر فترة طويلة، وأنها من الممكن أن تؤدي إلى مزيد من الخلافات والمشاكل والاحتجاجات في الشارع".
ولفت إلى أن "الشارع السنغالي غير معتاد على مثل هذه الاحتجاجات، فهذه الدولة الديمقراطية شهدت انتخابات حرة نزيهة، وترسخت لدى الشعب لدرجة كبيرة".
وقال إن بعض الرؤساء سلموا السلطة بشكل سلمي بعد انتهاء فتراتهم التي نص عليها الدستور، ولذلك فإن "التأجيل هذه المرة سيعطي انطباعا بأن الرئيس يريد البقاء في السلطة بعد انقضاء فترته فيها، والاحتجاجات ستزيد بشكل أوسع إذا لم يتم احتواؤها".
حوار وطني
بحسب الخبير المصري، فإن إعلان الرئيس سال الحوار الوطني يمكن أن تقبله بعض المعارضة على مضض، وقد يفسر على أنه تمديد لحكم الرئيس، مستبعدا فكرة "الانقلاب على الرئيس".
وبرر ذلك بأن الشعب السنغالي متشبع بالسلام، ولا يريد أن ينزلق لخطوة مظلمة بعد ترسيخ الديمقراطية، كما لا يريد أن يعرض نفسه لعقوبات من المنظمة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) والمنظمات الإقليمية والدولية.
و"إذا لم ينجح البرلمان أو الحوار"، يتابع عطيه، فـ"ستكون المظاهرات هي الفيصل، وسيصلون في النهاية لحل وسط لتقصير فترة التأجيل".
وأوضح أن ما تقدم يمكن أن يحدث "عبر إجراء الانتخابات مع الذين يصلحون للترشح"، مشيرا إلى أن "الرئيس سال من القادة الذين عانوا كثيرا من محاولات الانفراد بالسلطة، ولا يريد أن يعرض نفسه لانقلاب، أو لانتقاد من المجتمع الدولي".
وخلص إلى أن "السنغال بلد مستقر سياسيا وأمنيا، وما يحدث فقط مجرد خلافات سياسية ويمكن إيجاد حل لها".
خطوة مفاجئة
من جانبه، يعتبر الدكتور محمد تورشين، الخبير السوداني بالشأن الأفريقي، في قرار التأجيل بأنه "خطوة مفاجئة وصادمة لكثير من القوى السياسية والمتابعين".
ورجح تورشين لـ"العين الإخبارية"، أن "يكون الرئيس اتخذ هذه الخطوة دون استشارة القوى السياسية بشكل جاد، ويتضح ذلك من خلال المظاهرات والاحتجاجات التي عمت داكار وعددا من المدن".
ولفت إلى وجود "أحاديث حول أن وجود شخصيات باللجنة القومية للانتخابات تحوم حولها شبهات فساد، وأحاديث عن ضرورة أن يكون هناك حوار وطني جامع، وهي مبررات غير كافية لتأجيل الانتخابات".
وحذر من "تداعيات هذا القرار بالرغم من تأييده من البرلمان لأن الحزب الديمقراطي يمتلك الأغلبية، لكن هذا ليس معناه أنه سيجد الرضا والقبول من قبل القوى السياسية والفاعلين السياسيين وإنما سيفتح الباب أمام احتجاجات مستمرة لا تقل خطورة عن تلك المتفجرة عقب اعتقال المعارض عثمان سانكو".
واعتبر أن ذلك قد يقول لتشكيل "تحالف كبير بين كل المرشحين الذين بلغ عددهم 20 بما فيهم عبد الله أمادوا مرشح الحزب الديمقراطي".
ووفق الخبير، فإن "القوى السياسية ستتوحد، وهذا الأمر سيجعل الشارع في حالة انتفاضة مستمرة، وقد تدخل في حالة من الشلل السياسي ما قد ينعكس سلبا على أمن البلاد في محيط يشهد اضطرابات أمنية".
ولفت إلى أن "الوضع الداخلي في السنغال غير مستقر نتيجة وجود جبهة تطالب بحق تقرير المصير والانفصال، وربما تدخل قوى إقليمية ودولية على الخط وتدعم الجهة الإنفصالية"، مؤكدا أن كل هذه الأمور ستعقد المشهد، مستبعدا في الآن نفسه حدوث انقلاب عسكري.
"اختراق الدستور"
أما محمد أغ إسماعيل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو بمالي والخبير بالشأن الأفريقي، فيرى أن ما يحدث في السنغال يمثل "اختراقا للدستور وقانون الانتخابات، وأنه يوصف بنوع من الانقلاب الدستوري"، بحسب وصفه.
وقال إسماعيل في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن "الأسباب المذكورة في خطاب ماكي سال كاتهام قاضيين بالفساد لا يعتبر مقنعا وإنما يأتي التأجيل تلبية لحاجة في نفس يعقوب".
وأضاف: "الرئيس أخطأ هذه المرة، ولا يمكن تبرير تأجيل الانتخابات أو إدارته لفترة انتقالية"، متسائلا: "أين كان ماكي سال والأحزاب السياسية الداعمة لهذا التأجيل منذ أكثر من عامين للبحث عن حلول مرضية؟".
وتابع: "كما لا ننسى بأنه سبق أن تم إجراء حوار مجتمعي سياسي في الشهور الأخيرة دون الالتزام بتوصياته"، معتبرا أن ما يجري في هذا البلد يمثل "انتكاسة للديمقراطية وللشرعية".
قرار متوقع؟
ويختلف الدكتور محمد شريف جاكو، الخبير التشادي في الشأن الأفريقي، بالرأي مع من يعتبر أن القرار جاء مفاجئا.
وقال جاكو لـ"العين الإخبارية"، إن ما "حدث كان متوقعا لأن ماكي سال هو رجل فرنسا في غرب أفريقيا، وكان يريد أن يعدل الدستور، والشعب ضغط عليه وتراجع".
وتابع متسائلا: "أين الرئيس الفرنسي وأين إيكواس وأين الاتحاد الأفريقي، الذي أصدر مجرد مناشدة لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن؟".
وتوقع أن "يرفض الشعب السنغالي هذا التأجيل، ويقوم بالضغط على الحكومة وأجهزتها ويواصل ثورة عنيفة في العاصمة داكار والمدن الكبيرة"، مرجحا أن "يتدخل الجيش".