السنغال و«إطفاء الحرائق» بغرب أفريقيا.. نفوذ هادئ في مواجهة الانقلابات
في غرب أفريقيا، حيث تتوالد الأزمات السياسية أسرع من حلولها، اختارت السنغال أن تمارس دور «إطفائي الحرائق» بدل الاكتفاء بمراقبة ألسنة اللهب من بعيد.
فداكار، التي راكمت خبرة هادئة في إدارة التوازنات الإقليمية، تتحرك اليوم في أزمة غينيا بيساو بمنطق الاحتواء الاستباقي، ساعية إلى منع انقلاب جديد من التحول إلى شرارة عدم استقرار ممتد في فضاء هش بطبيعته ومثقل بتاريخ الانقلابات المتكررة.
ومن قلب هذه المقاربة، تبدو الوساطة السنغالية محاولة لإعادة تعريف أدوات النفوذ في غرب أفريقيا: ضغط محسوب بلا قطيعة، وحوار بلا تبرير للانقلابات.
وبين تهديدات إيكواس بالعقوبات وخيارات العسكريين الضيقة، تراهن داكار على فتح مسار انتقالي قابل للحياة، ليس فقط لإنقاذ غينيا بيساو من دوامة الفوضى، بل لحماية الإقليم بأسره من عدوى سياسية باتت تهدد أمنه واستقراره.
فماذا تعني التحركات السنغالية؟
قال خبراء سياسيون متخصصون في شؤون غرب أفريقيا والساحل إن التحرك السنغالي الأخير تجاه أزمة غينيا بيساو يعكس دورًا إقليميًا متقدمًا لداكار في إدارة الأزمات السياسية ومحاولات منع الانقلاب المتكررة، في بلد يعاني منذ عقود من هشاشة مؤسسية وعدم استقرار مزمن.
وبعد قرابة شهر على الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس أومارو سيسوكو إمبالو في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وصلت إلى العاصمة بيساو بعثة سنغالية رفيعة المستوى طالبت بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وبدء مسار انتقالي يحظى بدعم إقليمي ودولي، في وقت رفضت فيه السلطات العسكرية استقبال بعثة رؤساء أركان.
التحرك السنغالي اعتبره خبراء يعكس محاولة لاحتواء الأزمة قبل أن تتحول إلى صراع طويل الأمد، مؤكدين أن الإفراج عن المعتقلين وفتح حوار سياسي شامل سيشكلان المعيار الحقيقي لنجاح هذه الوساطة.
وبحسب الأكاديمي المالي بوبكر صديقي ترواي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو، فإن التحرك السنغالي يعكس إدراكًا متقدمًا لخطورة العدوى الانقلابية في غرب أفريقيا، موضحاً أن السنغال تحاول لعب دور الوسيط المقبول القادر على الجمع بين الضغط الدبلوماسي والحفاظ على قنوات الحوار مع العسكريين.
وأضاف في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن الإفراج عن المعتقلين «ليس مطلبًا إنسانيًا فقط، بل شرط سياسي لتفادي راديكالية المعارضة».
إعادة تشكيل موازين الوساطة
وبحسب الأكاديمي المالي، فإن «الدور السنغالي يندرج ضمن إعادة تشكيل موازين الوساطة الإقليمية»، مشيرًا إلى أن غينيا بيساو تمثل نموذجًا لدولة تعاني من ضعف مؤسساتي تاريخي، حيث فشلت الانتقالات السابقة في بناء جيش محايد عن السياسة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة باماكو، إن التحرك السنغالي يأتي في وقت لوحت فيه إيكواس بفرض عقوبات موجهة ضد من يعرقل العودة للحكم المدني، بعد تعليق المسار الانتخابي عشية إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
الأمر نفسه، أشار إليه الباحث الفرنسي جون بيير بات، المتخصص في الشؤون السياسية لغرب أفريقيا، قائلا في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن السنغال تتحرك بدافع استقرارها الداخلي أيضًا، مشيرًا إلى أن أي فوضى طويلة في غينيا بيساو ستنعكس أمنيًا على الجوار، خاصة عبر شبكات التهريب والجريمة المنظمة.
ويرى بات أن داكار تسعى إلى سد الفراغ الذي تركته الانقسامات داخل إيكواس، عبر مبادرات ثنائية أكثر مرونة.
فهل تنجح؟
إلا أن نجاح أو فشل الوساطة الحالية «سيكون اختبارًا لقدرة الفاعلين الإقليميين على احتواء الانقلابات دون اللجوء الفوري للعقوبات»، بحسب ترواي.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة باماكو، إن الجمع بين التهديد بالعقوبات والمساعي الدبلوماسية هو الخيار الأكثر واقعية، في ظل التجارب السابقة بالمنطقة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز