من التلويح بالحرب لـ"التهدئة".. لماذا تغير الموقف الأوكراني؟
في لحظة تاريخية صعبة توقفت عقارب ساعة الحكومة الأوكرانية، والتقطت أنفاسها للتهدئة والنأي بنفسها عما يلوح في الأفق حول حرب عالمية ثالثة.
موقف أوكرانيا بدا مغايرا لما سبق باتخاذ منحى التهدئة والدعوة للحوار رغم حالة التصعيد الإعلامي والدبلوماسي الأمريكي- الأوروبي ضد روسيا.
هذا الموقف أزاح الستار عنه بوضوح الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بإعلانه أن بلاده لا تحتاج إلى جنود من الحلفاء الأجانب على أراضيها.
ولعل هذا التوجه الأوكراني سُمع صداه داخل أروقة مجلس الأمن الدولي الذي انطلقت جلسته اليوم الخميس لبحث أزمة كييف.
وطالبت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، بحل الأزمة الأوكرانية من خلال السبل الدبلوماسية.
وأضافت المسؤولة الأممية روزماري ديكارلو: "اتفاقيات مينسك تظل الإطار الأوحد لحل الأزمة في أوكرانيا"، مؤكدة أنها لم تر سوى تقدم طفيف في تنفيذ تلك الاتفاقيات.
وتصاعدت المخاوف مع وجود اشتباكات في منطقتي دونيتسك ولوغانسك شرقي أوكرانيا واللتان تضمان مجموعات كبيرة من الانفصاليين الموالين لروسيا.
وزارة الدفاع الأوكرانية أبرزت بدورها اليوم الخميس، توقف القصف من القوات الموالية لروسيا شرقي البلاد لكنها أكدت مقتل شخص وإصابة 3 آخرين.
وتعتبر كييف القصف من القوات الموالية لروسيا انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات مينسك.
فمنذ 8 سنوات حول هؤلاء الانفصاليون المنطقتين إلى إحدة البؤر الملتهبة والمرشحة لتصبح شرارة الحرب العالمية الثالثة وهو ما تخشى منه كييف الآن.
"نوفوروسيا"
وتخضع دونيتسك ولوغانسك منذ عام 2014 لسيطرة الانفصاليين الموالين لموسكو منذ سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم وضمها في مارس/آذار من العام ذاته.
وعلى مدار تلك السنوات، تواصلت أعمال شغب في حوض دونباس الشرقية بعد أن استولت مجموعة من المسلحين على المباني الحكومية في جميع أنحاء دونيتسك ولوغانسك.
وبحسب ما أكدته وكالة رويترز فإن الانفصاليين المتواجدين في جمهورية لوهانسك الشعبية - المعلنة من جانب واحد وإحدى منطقتين للموالين لموسكو - يمتلكون أسلحة روسية ثقلية يستخدمونها في عملية القصف.
ويستهدف الانفصاليون بالدرجة الأولى إلى تحويل جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين إلى دولة نوفوروسيا أي (روسيا الجديدة).
وأعيد إحياء مصطلح نوفوروسيا في إشارة إلى الأراضي الأوكرانية الجنوبية التي سيطرت عليها الإمبراطورية الروسية في القرن الثامن عشر.
ويتمتع هؤلاء الانفصاليون بمجموعة من المميزات الواسعة بداية من اعتراف موسكو بالشهادات حول منشأ البضائع الصادرة عن الأجهزة العاملة بالفعل في أراضي دونباس التي تشمل دونيتسك ولوغانسك.
ولا تفرض السلطات الروسية قيوداً متعلقة بالاستيراد والتصدير في الجمهوريتين، والسماح بدخول البضائع من دونيتسك ولوغانسك إلى أسواقها بشروط متساوية مع السلع الروسية، بل وتعزيز كمياتها في سلسلة المتاجر الداخلية.
ومن هنا تظهر الأهمية الاقتصادية لـ"دونباس"، إذ تشير تقارير عالمية إلى أنها تضم احتياطيات من الفحم بنحو 60 مليار طن، وكانت تنتج ما يقارب من 75% من إجمالي الفحم المنتج في أوكرانيا.
وظلت منتجات دونباس تستحوذ على 30% من إجمالي الصادرات الأوكرانية للعالم قبييل إعلان الانفصاليين الموالين لروسيا استقلالهم عن كييف.
وفي دعم روسي لهم غير محدود، منح الكرملين قبل 4 سنوات سكان دونباس حق استخراج جوازات سفر ووثائق ميلاد ووفاة روسية.
ليس هذا فحسب؛ بل يتمتع أكثر من 600 ألف شخص من دونباس بجوازات سفر روسية ومن بينهم بطبيعة الحال.
ولدى القادة الانفصاليين في دونباس رغبة جامحة في السيطرة وفرض سيادتهم على مساحات أكبر من الأراضي الأوكرانية.
وتحظى منطقة دونباس بأهمية استراتيجية وفي حال اعتراف موسكو باستقلال دونيتسك ولوغانسك رسمياً كيانات مستقلة - تلبية لمشروع قانون من البرلمان الروسي- فإن ذلك سيمنح الانفصاليين حماية روسية من أي تهديدات خارجية، وفقا لمجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية.
"تدخل محدود"
ويرى خبراء أن حشد الجنود الروس على الحدود الأوكرانية يقدم لموسكو خيارات واسعة، معتبرين أنّ تدخلاً عسكرياً محدّد الأهداف يبدو مرجحاً أكثر من عملية ضخمة.
وينفي الكرملين تخطيطه لهجوم عسكري، مشدّدا على أن خفض التصعيد يمرّ بضمانات مكتوبة، لا سيما في ما يتعلق بحلف شمال الأطلسي الذي يسعى إلى تعزيز موقعه في منطقة النفوذ الروسي التاريخية.
ونشرت روسيا خلال الأسابيع الأخيرة عشرات آلاف الجنود ودبابات وسلاح مدفعية على مقربة من الحدود الأوكرانية، مستعينةً بدعم عسكري استقدمته من أقصى شرق البلاد.
وأعلنت أوكرانيا الجمعة تعرضها لهجوم سيبراني ضخم استهدف عدداً من وزاراتها.
توازياً، غادرت سفن روسية ناقلات للدبابات والقوات البلطيق في الأيام الأخيرة متجهةً نحو الجنوب، ويُشتبه أنها تقصد البحر الأسود.
ويشير مدير الأبحاث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ويليام ألبيرك إلى أن "الروس أعلنوا إجراء تدريبات ضخمة في بيلاروس من 9 إلى 20 فبراير/شباط، وهم في طور نقل شتى أنواع المعدات العسكرية، وطائرات قتالية، وصواريخ مضادة للطائرات".
ويستنتج أن "أوكرانيا ستكون محاطة بالكامل بحوالى 100 مجموعة مسلحة" قريبة من روسيا.
فمن الشمال بيلاروسيا، ومن الجنوب تواجد روسي في شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها روسيا في 2014، ومن الشرق دونباس حيث تدور حرب مع انفصاليين موالين لموسكو.
ويرى ماتيو بوليغ من مركز تشاثام هاوس البريطاني للأبحاث أن موسكو تتعرض لضغط بفعل عامل الوقت، إذ "من الصعب أن تحتفظ بـ85 ألف إلى 100 ألف عسكري بعيداً عن قواعدهم لفترة طويلة".
تُضاف الى ذلك العوامل المناخية. ويرى أنّ "روسيا لديها فرصة حالياً إلى أن تعود درجات الحرارة الى الارتفاع في أوكرانيا. فبدءاً من الربيع، تصبح العربات المدرعة صعبة الاستخدام على أرض جافة".
وتبدو بعض أجهزة الاستخبارات العسكرية الأوروبية، لا سيما الفرنسية، أكثر حذراً من الأمريكيين تجاه نوايا روسيا الهجومية في أوكرانيا.
وتزداد قناعة الخبراء بأن الخيار المرجح هو توجيه ضربات روسية على أهداف استراتيجية في أوكرانيا دون عبور الحدود، وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية.
ويرجح الباحث أن يأتي التصعيد على شكل "ضربات جوية يكون الرد الأوكراني عليها ضعيفا" بسبب افتقار الدولة للدفاعات الجوية والطيران القوي.
ويمكن أن يكتفي باستخدام طلقات مدفعية وغارات جوية لشل مراكز القيادة والتحكم الأوكرانية وتدمير قدرتها على الرد دون أن يحرك القوات الروسية".
aXA6IDMuMTM1LjIxNC4xMzkg
جزيرة ام اند امز