"غدر 4 سبتمبر".. دماء طاهرة خطت الحد الفاصل بين فسطاطين
دماء شهداء التحالف العربي الذين ارتقوا يوم 4 سبتمبر عام 2015 في معسكر صافر باليمن شكلت منعطفا للصراع في الشرق الأوسط
من صحراء محافظة شبوة اليمنية انطلق صاروخ صباح يوم جمعة في سبتمبر/أيلول عام 2015. وكان ذلك إيذانا بتحولات عميقة على الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط.
في ذلك الوقت كانت موجة ما يسمى الربيع العربي قد تكسرت على صخور واقع كئيب مخلفة دمارا هائلا في عدد من الأقطار العربية، وبدت الظلمة حالكة والأوراق مختلطة.
داعش يتوسع في سوريا والعراق، فيما تحكم الفصائل المتشددة قبضتها حول دمشق، فيما واصلت مليشيات طرابلس الإرهابية عملياتها ضد الجيش الوطني الليبي في الجنوب والشرق، وواصلت القاعدة ومليشيات الحوثي في اليمن جرائمهما بحق المدنيين.
لكن دماء عشرات من شهداء قوات التحالف العربي في اليمن ارتقوا في ذلك اليوم كانت أول ضوء في فجر جديد أنار ساحات المعارك على امتداد الإقليم لتكشف من يقف في خندق الأعداء.
الصاروخ الذي انطلق صباح 4 سبتمبر قبل 5 سنوات استهدف اللواء 107 مشاة في منطقة صافر بمأرب (173 كيلومتر شمال شرقي صنعاء) حيث تمركزت قوات للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، إلا أن أصداء الانفجار دوت عاليا في عدد من الساحات، ففي سوريا نهاية الشهر نفسه سيتبدل المشهد مع التدخل الروسي ضد فصائل الإرهاب والقوى الإقليمية الداعمة لها.
وفي ليبيا وبعد نحو 3 شهور من تفجير صافر سيوقع الفرقاء اتفاق الصخيرات تحت ضغط دولي وإقليمي، ليتشكل على إثره فسطاطان في البلد المنكوب بالإرهاب. فسطاطان كانا قد تبديا جليا في صافر اليمنية.
فعلى جبهة صافر كان معسكر اللواء 107 مشاة يتعرض صباح يوم 4 سبتمبر لقصف منسق ومحكم شاركت فيه أطراف عدة، كان يعتقد حتى ذلك التاريخ أنها متخاصمة؛ مليشيا الحوثي الانقلابية وحزب الإصلاح الإخواني وتنظيمي القاعدة وداعش.
وأسفر الغدر عن استشهاد 45 جندياً إماراتياً و10 جنود سعوديين و5 جنود بحرينيين، لكن دماء هؤلاء الشهداء رسمت الحد الفاصل بين فسطاطين، حيث أطلقت العملية الغادرة سلسلة من الأسئلة منها؛ كيف تسربت إحداثيات المعسكر؟ من جمع شمل الإرهاب في خندق واحد؟ هل ثمة عقل واحد يحرك خيوط الشر في الشرق الأوسط؟
ففي مارس/آذار 2015 حينما تشكل التحالف العربي في اليمن وشن أولى ضرباته لم تكن أي من هذه الأسئلة تحمل إجابة قاطعة شافية.
وعقب العملية الغادرة عمل التحالف العربي على ترسيخ استراتيجية شاملة درست أبعاد المخاطر، فتحرك على جبهتين الأولى ضد مليشيا الحوثي الإيرانية والتي تقلصت مساحة سيطرتها من 80% إلى أقل من 20% في الوقت الحالي، أما الجبهة الثانية فكانت ضد التنظيمات الإرهابية التي وسعت من سيطرتها جنوب اليمن ثم بفضل التنسيق الإماراتي السعودي المشترك في تأهيل وتدريب القوات المحلية، تم طرد التنظيمات الإرهابية من كل المدن والبلدات الرئيسية جنوب البلاد.
وأدركت قيادة التحالف خيط الصلة بين هذه الشبكة الإرهابية الواسعة؛ "حزب الإصلاح" الإخواني الذي يدير شبكة إرهابية لصالح قوى إقليمية تنضوي تحت عباءة المرشد الإيراني في طهران.
كان استهداف معسكر صافر محاولة لكسر التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية والإمارات إذ بدا حينها أنه أول استجابة جادة لأزمة الشرق الأوسط بحسب مراقبين، في لحظة كان الإرهاب يوسع من نفوذه في سوريا والعراق وليبيا واليمن.
وشكل الإصرار العربي في اليمن على حسم المعركة لصالح آمال الشعوب نقطة فاصلة في المشهد الإقليمي حيث تبدل واقع الحال في سير المعارك منذ غدر 4 سبتمبر وفقد تنظيم داعش المناطق التي سيطر عليها في اليمن وسوريا والعراق حتى إعلان الانتصار الكامل عليه كما تراجعت مليشيات الإرهاب في ليبيا لتتمترس في العاصمة طرابلس وتفقد مليشيات الحوثي غالبية الأراضي التي هيمنت عليها ما أجبرها على العودة لمائدة المفاوضات.