قانون الأحوال الشخصية في مصر.. كيف تهيئ الدراما الجمهور للتغيير؟
اعتبر كثيرون أن تطرق المسلسل المصري "تحت الوصاية" للحديث عن قضية ترتيب الوصاية للأبناء، يعد تمهيدا لتغيير قانون الأحوال الشخصية.
وجاء المسلسل بعد عام واحد على عرض مسلسل "فاتن أمل حربي"، الذي تم عرضه رمضان الماضي بطولة الفنانة نيللي كريم وأثار جدلاً واسعًا وقتها حول تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر أيضا.
المشاهدون أبدوا تعاطفا كبيرًا مع الفنانة المصرية منى زكي في مسلسل "تحت الوصاية"، فهل ينجح المسلسل في تحريك المياه الراكدة في قضايا المرأة والأحوال الشخصية؟.
"العين الإخبارية" تواصلت مع خبيرات في الإعلام والقضايا المجتمعية، لعرض وجهة نظرهن حول هذه المسلسلات وتأثيرها.
المعنى الحقيقي للدراما
قالت الدكتورة شاهندة عاطف، مدرس الصحافة بكلية الإعلام جامعة بني سويف، إن هذه المسلسلات تعتبر المعني الحقيقي للدراما الجيدة، فهي تعكس صورة المجتمع وتقدم وصفا للمجتمع وظواهره ومشاكله بطريقة حقيقية غير مبتذلة، فلا تستخدم التهويل ولا التهوين، كذلك تقدم قضية أو مناقشة ظاهرة تخص قطاعا كبيرا من الجمهور المستهدف.
وأوضحت "عاطف"، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، أن هذا بالضبط ما قام به فريق عمل مسلسل "تحت الوصاية"، حيث قاموا بتقديم قضايا المرأة المعيلة في ظل مجتمع يحظى بهيمنة ذكورية تحت وطأة قوانين قديمة تضع المرأة المطلقة او الأرملة هي وأولادها تحت وصاية قانونية ومجتمعية، بحسب قولها.
ووصفت المسلسل بأنه "بمثابة إلقاء حجر في مياة راكدة سواء على صعيد التشريعات القانونية أو نظرة المجتمع للأرملة أو المطلقة بأولادها".
ولفتت إلى أن المسلسل سيؤدي لتراكم في العقل الجمعي المصري والوعي المجتمعي هو ومسلسلات مثل "فاتن أمل حربي" و"ستهم" و"عملة نادرة" بقضايا المرأة في مصر وأهمية تعديل القوانين وإنصافها لحقوق المرأة والطفل بما يتلاءم مع مقتضيات العصر، مشيرة إلى أنه عند وضع هذه القوانين قبل خمسينيات القرن الماضي كانت نسبة كبيرة من سيدات مصر غير متعلمات ولا يعملن، أما الآن فالوضع مختلف فمعظم سيدات مصر متعلمات ويشغلن مناصب قيادية ويعلن أسرتهن، لذلك فهن مؤهلات للوصاية.
وأضافت: "من غير الإنصاف والعدل أن تكون الوصاية في يد الجد أو العم، ويكون هو المتحكم في مصير الأطفال بشكل كامل مما يضع الأم تحت ضغط نفسي ومادي بشكل كبير وهو ما يستعرضه المسلسل"، وتوضح أن المسلسل هو حلقة من ضمن حلقات يعمل عليها فريق من صناع الدراما المصرية لتوصيف الوضع ووضع يد المجتمع على المشكلة ومن ثم اقتراح الحلول.
وتابعت: "تحت الوصاية نجح على المستوى الشعبي والنخبوي، فأما نجاحه شعبيًا فيرجع إلى أنه لمس مشاعر كل امرأة في نفس وضع حنان بطلة المسلسل أو تخشى أن تكون في نفس وضعها، أما نجاحه النخبوي والنقدي فيرجع إلى اهتمامه بقضية من أهم القضايا النسوية على الساحة ومدى جودة عناصره الفنية المتمثلة في براعة فريق عمل المسلسل واستخدام ديكورات وملابس حقيقية تطابق واقع المجتمع المصري واعتماد المسلسل علي سيناريو محكم ومنضبط".
مسلسل ذكي
وأكدت الدكتورة سارة فوزي، المدرس بقسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن مسلسل "تحت الوصاية" جاء أذكى من "فاتن أمل حربي"، فقد عرض القضية بمنظور سينمائي واقعي.
وأوضحت "فوزي"، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، أن المسلسل وضع المشاهدين في مواجهة قوانين مجحفة للمرأة بدون جمل حوارية مباشرة، وبطريقة لعبت على وتر العاطفة.
وأضافت أن المسلسلين نجحا في لفت أنظار نواب البرلمان وتحريكهم في قضايا الأحوال الشخصية، معتبرة أن مثل هذه المسلسلات تعمل على تهيئة الرأي العام لتقبل تغيير القوانين.
ورأت فوزي أن هذه المسلسلات تغير اتجاهات المشاهدين ومعتقداتهم تجاه قوانين المرأة بدلاً من عرضها في برامج موجهة، وقد ثبت أن الدراما أنجح، لأن مشاهدة الدراما تسبب التقمص الوجداني فتشعر النساء أنهن قد يكن في موقف مشابه فيطالبن بحقوقهن، وكذلك الرجال حيث يتوقعون أن تكون بناتهن في هذا الموقف.
وختمت حديثها بالقول: "المعالجة تخلق حالة من التعاطف والتقمص الوجداني فيتقبل المشاهدون تغيير القوانين، وأعتقد لو أننا لدينا طوال السنة مسلسلات تعرض القضايا النسائية فستتغير الكثير من القوانين".
تحريك المياه الراكدة
وترى إسراء رفعت، الباحثة في الشؤون الاجتماعية، أن هذه المسلسلات نجحت بشكل كبير جدا شعبيا، وحركت المياه الراكدة في قضايا المرأة، رغم قسوتها.
وقالت، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، إن فكرة أن امرأة تترك أولادها وتنزل البحر لأكل العيش، تجربة قاسية، تجعل المشاهدين يتعاطفون مع النماذج، ومن المفترض أن يكون هناك تحرك برلماني سريع لتغيير القوانين.
وأضافت أنه على المشرعين استغلال هذا النجاح الشعبي وتغيير القوانين دون انتظار مدة، لأن استغلال الأعمال الدرامية في وقتها أفضل من انتظار وقت تكون فيه حالة التعاطف قد تراجعت.
وتابعت أن هذه المسلسلات تجعل المزيد من القضايا الاجتماعية تطفو على الساحة، حيث تجهر النماذج الأخرى للمطالبة بحقوقها، والمطالبة بعرض قصصها ومعاناتها على الشاشة أسوة بهذه النماذج، مما يجعل المجتمع يعرض أزماته ويبحث عن حلولها، وهو أسلوب ناجح في حل الأزمات المجتمعية.
مسلسلات حقيقية
وترى الدكتورة بسنت مراد، الأستاذ المساعد بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن هذه المسلسلات من المسلسلات الناجحة لأنها تمس قضايا حقيقية للمرأة ومشكلات تعاني منها النساء وتمتلئ بها محاكم الأسرة.
وقالت في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، إن الفنانة نيللي كريم أجادت تمثيل حالة المرأة التي تعيش معاناة نتيجة زوجها المهمل في "فاتن أمل حربي"، وكذلك مسلسل "تحت الوصاية" الذي جاء بشكل "مدهش" سواء من الفنانة منى زكي، أو من الأطفال، حيث من الصعوبة أن يؤدي طفل دورا تراجيديا ومتمكنا بهذا الشكل.
وأكدت أن نقل الوصاية للأم بدلاً من الجد هو حق مشروع للأمهات، وسيخفف من معاناتهن المتكررة، مطالبة باستمرار تقديم مثل هذه الأعمال لما لها من تأثير مطلوب يعمل على دفع التحولات الإيجابية في المجتمع.
ربط المشاهدين بالشاشة
وترى الدكتورة أماني عزت، المدرس المساعد بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن مصر قدمت هذا العام إنتاجا دراميا مختلفا يناقش قضايا تهم كل فئات المجتمع، ربطت المشاهدين بالشاشة.
وأكدت في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، أن مسلسل "تحت الوصاية" وغيره من المسلسلات الاجتماعية تعمل على تقريب المشكلة للمشاهدين، مما يخلق حالة من التوحد مع المرأة المعيلة سواء المطلقة أو الأرملة، جعلت المشاهدين يعيشون المعاناة ويفكرون في حلها.
وقالت إن فيلم "جعلوني مجرمًا" ساهم في تعديل قانون السجون، وفيلم "كلمة شرف" ساهم في تعديل القوانين، فالإنتاج الدرامي مؤثر جدًا في تعديل القوانين، بجانب دوره في الوعي المجتمعي، مبدية سعادتها باهتمام الدراما بهذه القضايا وتبني التمهيد لتغيير القوانين.
وتوقعت أن يحرك مسلسل "تحت الوصاية" المياه الراكدة ويفتح الباب أمام تغيير القوانين، مما يؤكد أن الدراما قادرة على تطوير المجتمع وتقديم حلول لأزماته بعد خلق حالة من النقاش المجتمعي حول مشاكل الأسرة والمرأة.
aXA6IDUyLjE1LjE3MC4xOTYg جزيرة ام اند امز