حدة الأزمة الاقتصادية تدفع باللبنانيين إلى الشارع مجددا
تقترب الليرة من خسارة نحو نصف قيمتها عملياً. ولامس الدولار عتبة 2500 ليرة في السوق الموازية.
عاد المتظاهرون إلى الشوارع مجدداً في عدد من المناطق اللبنانية، الثلاثاء، احتجاجاً على تعثّر تشكيل حكومة وازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية، بعد ثلاثة أشهر من انطلاق تظاهرات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية.
- عون: لبنان يدفع ثمن 30 عاما من السياسات المالية الخاطئة
- 89.5 مليار دولار.. لبنان يسلك طريقا محليا لإعادة هيكلة ديونه
وتداول ناشطون ومجموعات بارزة في التظاهرات دعوات للتحرك في "أسبوع الغضب"، وإلى تنظيم مسيرات سيّارة وقطع الطرق ومشاركة المدارس والجامعات، والتظاهر أمام منزل رئيس الحكومة المكلف حسان دياب الذي تعهّد منذ تكليفه قبل نحو شهر بتشكيل حكومة اختصاصيين.
وعمد المتظاهرون، الثلاثاء، إلى قطع طرق رئيسية في محيط بيروت وعدد من المناطق بالإطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات، ما تسبب في زحمة سير خانقة وفق ما أفاد مصورو وكالة "فرانس برس". وتجمّع عشرات الشبان أمام البنك المركزي في بيروت وفروعه في المناطق وسط استنفار أمني، مرددين هتافات مناوئة للمصارف والقيود المشددة التي تفرضها على سحب الأموال.
وقالت المتظاهرة ليلى يوسف (47 عاماً) في محلة فرن الشباك قرب بيروت، بينما كان شبان يقطعون الطريق لـ"فرانس برس": "سنعاود قطع الطرق لأننا لم نعد نقوى على التحمّل أكثر".
وأضافت "ما نجنيه من المال لا يكفينا لشراء حاجات المنزل" في خضم أسوأ أزمة اقتصادية في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)".
وخسر عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. ويشكو المواطنون من تقلص قدرتهم الشرائية مقابل ارتفاع الأسعار وعجزهم عن تسديد التزاماتهم المالية.
وقال متظاهر لقناة المؤسسة اللبنانية للإرسال التلفزيونية "الوضع مزر للغاية والغلاء فاحش".
وتقترب الليرة اللبنانية من خسارة نحو نصف قيمتها عملياً. ففيما لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبتاً على 1507 ليرات مقابل الدولار، لامس الدولار عتبة 2500 ليرة في السوق الموازية. وتفرض المصارف قيوداً مشددة على عمليات السحب بالدولار، وتحولت قاعاتها خلال الأسابيع الماضية مسرحاً للصراخ والدموع ولإشكالات وصلت حدّ التضارب بين الزبائن الذين يريدون الحصول على أموالهم والموظفين.
وكانت وتيرة التظاهرات وقطع الطرق تراجعت في الأسابيع الأخيرة لتقتصر على تحركات تجاه المصارف أو تجمعات ونشاطات رمزية، فيما بدا إفساحًا في المجال أمام دياب لتشكيل حكومة جديدة.
وقالت جمعية المصارف اللبنانية، الثلاثاء، إنها في وضع خطير، ولا يمكنها الاستمرار من دون سلطة تنفيذية، وقد تصل إلى مرحلة تضطر فيها إلى الإغلاق.
ولم يتفق السياسيون على حكومة جديدة أو خطة إنقاذ منذ استقالة سعد الحريري من رئاسة الوزراء في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، علما أن سندات دولية للبنان قيمتها 2.5 مليار دولار تستحق هذا العام.
وكان رئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير قد قال إنه من المرجح إعادة هيكلة الدين السيادي للبنان بطريقة لا تضر بالاقتصاد ولا بالمودعين، مضيفا أنه سيجري الدفع للدائنين الأجانب، حسبما نقلت عنه وكالة رويترز.
ويطالب المتظاهرون بالإسراع في تشكيل حكومة تنصرف لوضع خطة إنقاذية للاقتصاد. ومنذ تكليفه بدعم رئيسي من حزب الله وحلفائه، لم يتمكن دياب حتى الآن من تشكيل حكومة يريدها مصغّرة ومؤلفة من اختصاصيين تلبية لطلب الشارع، فيما تنقسم القوى السياسية الداعمة لتكليفه حول شكلها، ويطالب بعضها بحكومة تكنو سياسية.
وتحدث دياب الجمعة عن "ضغوط" يتعرض لها، إلا أنه أكّد في الوقت ذاته أنه "مهما بلغت، لن تغير من قناعاتي ولن أرضخ للتهويل".
وقال رئيس الجمهورية ميشال عون، الثلاثاء، في كلمة ألقاها خلال استقباله أعضاء السلك الدبلوماسي في لبنان، إن "بعض العراقيل حالت دون ولادة حكومة يجب أن يكون لديها برنامج محدد وسريع للتعامل مع الأزمة الاقتصادية والمالية الضاغطة، ومجابهة التحديات الكبيرة التي تواجه لبنان وكل المنطقة".
وأعلنت قوى سياسية عدة عدم نيتها المشاركة في الحكومة على رأسها "تيار المستقبل" بزعامة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الذي استقال في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي على وقع غضب الشارع.