معرض "فرانك بولينج: خريطة العالم".. حينما تتماهى الحدود بهجرات البشر
ساحة المريجة بمؤسسة الشارقة للفنون تحتضن أهم معارض الفنان التشكيلي فرانك بولينج، والذي يضم لوحات تعرض لأول مرة والتي تحتفي بفن التجريد.
افتتحت الشيخة حور القاسمي، رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، مؤخرا، معارض الخريف لعام 2018، والتي ضمت معارض فردية متميزة، أهمها معرض "فرانك بولينغ: خريطة العالم" الذي يشغل رواقين من أروقة المؤسسة بساحة المريجة.
يعتبر المعرض من أهم المعارض التي تحتفي بالفن التجريدي، ويضم عددا من اللوحات الخرائطية الضخمة المؤثرة للفنان، إلى جانب مجموعة نادرة من مقتنياته من مجلات فنية أمريكية تعود لسبعينيات القرن الماضي، ومراسلاته مع عدد من الفنانين وأصحاب المعارض الفنية، وصوره الشخصية والعائلية، فضلا عن شاشة عرض تقدم فيلما وثائقيا عن حياته ومسيرته وبداياته في جيانا البريطانية، وكيف شكلت الأنهار وعيه المكاني بالحدود والفواصل بين المدن والبشر.
وأن تجوب المعرض وأنت تستمع لتجربة بولينج والمشاعر التي عبر عنها في لوحاته أمر رائع يكمل التجربة الحسية والروحية التي يكفلها المعرض.
ويقدّم معرض نظرة عامة على التطورات الأساسية في ممارسة بولينج الفنية، مستكشفاً ارتباطه بالتاريخ، والهجرة، والذاكرة، والتشخيص على مدى 6 عقود من مسيرته.
وتوفر المواد من أرشيف فرانك بولينج والأفلام المعروضة مقابلات مع الفنان، وتقدم مزيداً من الرؤى حول تطور ممارسته الفنية والمناقشات الثقافية الأوسع التي أسهم في صياغتها منذ ستينيات القرن الماضي.
ملاعبا بالظل والضوء، استعان بولينج بالتجريد وبتعابير لونية جذابة تتابين ما بين الألوان الساخنة والباردة مستخدما خطوطا رفيعة تظهر أحيانا بين المساحات اللونية الشاسعة؛ ليسلط الضوء على الحدود القارية بين شعوب العالم، وكيف يمكن أن تتماهى الحدود بتنقلات البشر.
تدفعك لوحات بولينج الكبيرة إلى التأمل والتمعن في معنى الحدود ومعنى الزمان والمكان، مازجا ما بين التشكيل ومفاهيمه ومفاهيم الإنثروبولوجيا العلمية المعنية بتاريخ الشعوب.
يسعى بولينج من خلال لوحاته لتسليط الضوء على التحولات الاجتماعية والسياسية والجغرافية التي كانت تحدث من حوله في فترة الستينيات والسبعينيات، والتي نعايش مثلها الآن، حيث تتصاعد حركات الهجرة ما بين منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وما بين أفريقيا وأسيا وما بين الأمريكتين أيضا.
معرض "فرانك بولينج: خريطة العالم" من تنظيم دار الفنون في ميونخ بالتعاون مع المتحف الأيرلندي للفن الحديث في دبلن، ومؤسسة الشارقة للفنون.
يقيم المعرض أوكوي إينوزور مع آنا شنايدر في دار الفنون في ميونخ، أما معرض الشارقة فهو من تقييم حور القاسمي بالاشتراك مع أوكوي إينوزور وآنا شنايدر.
تعد تجربة الهجرة والعلاقات الثقافية المتداخلة من التأثيرات المهمة على استقصاء بولينج الفني. إذ إنه ولد في بارتيكا، جيانا البريطانية (إحدى بلدان أمريكا الجنوبية) في عام 1934، وانتقل إلى لندن في الـ19 من عمره، حيث كانت المدينة تشهد موجات هجرة قادمة من منطقة الكاريبي وغيرها من أراضي بريطانيا الاستعمارية.
خلال دراسته وبعد تخرجه في الكلية الملكية للفنون بلندن عام 1962، تشكّلت معظم أعمال بولينج التشخيصية من خلال تصوير الصدمة في الرسم البريطاني ما بعد الحرب وتأثير ثقافة ما بعد الكولونيالية في كل من جيانا البريطانية ولندن.
انتقل بولينج عام 1966، من لندن إلى نيويورك، حيث فرض عليه تعرّفه على بيئة فنية جديدة، وعلى وجه الخصوص النقد الراديكالي للفن، الذي قام به الفنانون السود في حقبة ما بعد الحقوق المدنية، تحدياً لاختبار لغة التجريد المتنامية لديه.
يقدم معرض مؤسسة الشارقة للفنون، الذي يستمر حتى شهر يناير/كانون الثاني المقبل، تجربة فنية فريدة مستوحاة من خرائط العصور الوسطى، ويضم عدداً من الأعمال التي لم يسبق عرضها وتلك التي عرضت على نحو وجيز، سواء في أمريكا أو أوروبا، وهو المعرض الأكثر شمولا، حيث يقدم تجربة الفنان بشكل متكامل، حيث يقدم مجموعة مختارة من اللوحات الخرائطية للفنان التي كانت تشكل تصوير بولينج للأفكار والأشكال والموضوعات الجديدة.
يسهم المعرض أيضاً في تقديم معاينة شائكة لاستطلاع الفنان الرسمي والمفاهيمي للكثافة والغموض والشفافية واللون، والذي وسع الأبعاد الاجتماعية والسياسية للرسم.
وجاء اختيار المؤسسة لافتتاح المعرض ضمن معارض الخريف موفقا بشكل كبير، حيث إنه يتزامن مع افتتاح قاعة أفريقيا وتدشين معهد أفريقيا للدراسات والبحوث، وهو المعهد الذي سيعني بكل ما يتعلق بالقارة السمراء وعلاقتها بالعالم تحت إشراف أكاديمي من البروفيسور صلاح حسن، الأستاذ بجامعة جولدوين سميث ومدير مركز أفريكانا للدراسات والأبحاث، وأستاذ الفن الأفريقي وتاريخ فن شتات أفريقيا والثقافة البصرية في قسم تاريخ الفن والدراسات البصرية في جامعة كورنيل.