"قطار الشرق" في بورتسودان.. رحلة "خاصة" لطي عقدين من الجفاء
لم تبارح مشاهد الاحتفاء، بورتسودان على مدار يومين، فرحا بعودة رحلات قطار الركاب إلى المدينة المشاطئة للبحر الأحمر، بعد توقف 16 عاماً.
فرح سكان بورتسودان بالقطار ليس لكونه الأرخص مقارنة بوسائل النقل الأخرى فحسب، لكن لرمزيته وتعلقهم الوجداني به، كغيرهم من سائر أهالي مدن البلاد الأخرى.
وارتبط القطار تأريخياً في السودان بالحراك النضالي وله رمزية ثورية عالقة في النفوس، حيث تسبب إضراب وعصيان نقابات عمال السكة الحديد في إنهاء نظام حكم الرئيس الراحل ابراهيم عبود (ثورة أبريل/نيسان 1964)، والرئيس الراحل جعفر نميري (ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1985).
- ماذا يستفيد السودان من مبادرة "هيبك"؟.. خبراء يجيبون
- السودان يتوقع إعفاءه من ديون "نادي باريس".. قيمتها 19 مليار دولار
بينما استرجع السودانيون هذا الأثر النضالي للسكة الحديد في ثورة ديسمبر/كانون الأول الماضي، التي أنهت حكم الرئيس المعزول عمر البشير، إذ شكل قطار الشرق الذي سيره سكان مدينة عطبرة شمالي البلاد إلى ساحة الاعتصام بالخرطوم، علامة فارقة في مسار الانتفاضة.
وعلى وقع شعارات وهتافات ثورة ديسمبر/كانون الأول، استقبل أهالي بورتسودان مساء أمس الثلاثاء أول رحلة لقطار الشرق الذي عاد إلى الحياة بعد انقطاع دام لنحو عقدين، وكانت الفرحة تكسو المكان على جانبيه.
وتنطلق رحلة القطار على مدار الأسبوع من الخرطوم إلى عطبرة، على أن يستغل المسافرون قطارا آخر من عطبرة إلى بورتسودان وينطبق الأمر على الرحلة العائدة العكسية.
ويأمل سكان بورتسودان أن تكمل الحكومة جهودها وتكون الرحلة واحدة من الخرطوم إلى مدينتهم دون الحاجة إلى التوقف في عطبرة واستغلال قطار آخر.
ويروى راشد رفعت 35 عاماً تراجيديا أفراح هيستيرية عمت أرجاء مدينة بورتسودان حيث خرج جميع المواطنين بشكل عفوي لاستقبال القطار عند وصوله إلى المحطة.
يقول رفعت لـ"العين الإخبارية" "القطار كان ولا يزال شريانا للحياة، فهو يعمق العلاقات بين المسافرين نظرا لطول الرحلة والمدة الزمنية التي يستغرقونها في السير، فقد كانت القطارات محطة للتعارف والألفة التي تطورت إلى ارتباط وزواج في كثير من الحالات.. نحن نتعشم في عودة الزمن الجميل".
وأضاف "القطار من ناحية اقتصادية رخيص للغاية حيث تبلغ تذكرة "بورتسودان- عطبرة" 4 آلاف جنيها، في حين تبلغ تذكرة الباصات السفرية 7 آلاف جنيها، بينما تفوق المساحة التي يقطعها 450 كيلومترا، فضلا عن أن القطارات أكثر أمناً نظرا لوعورة الطريق البري والأرض الجبلية التي تكثر فيها حوادث السير".
وتابع راشد وهو من سكان المدينة: "المفروض أن تكمل هيئة السكة الحديد جهودها وتجعل رحلة واحدة من بورتسودان إلى الخرطوم، بدلاً من ربط مصيره بعطبرة".
وقال رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك "كانت السكة الحديد هي الشريان الذي يغذي الوحدة القومية بين أطياف شعبنا، وكانت الضامن لاستمرار التواصل بين أقاليم ومدن وقرى بلادنا".
وأضاف حمدوك في تدوينة معلقا على وصول القطار لبورتسودان، أن "السكة الحديد هي التنمية لأهلنا في كل الأرياف عبر خلق فرص عمل لهم مع كل إياب قطار وفي كل ذهاب له، وكانت سكة للحياة في حين ينعدم كل شيء إلا البشر والسكة الحديد، ولذلك كانت الهدف الأول للتكسير والتدمير الممنهج من النظام السابق".
وتابع "بشرى لكل طفل وامرأة ورجل في أرياف شرق البلاد، ها قد عاد لكم شريان الحياة وغداً أيضاً ومعاً؛ سننجز الوعد بحل مشكلة المياه وبعدها الصحة والتعليم وسنعمل معا على أن تكتمل التنمية والاستقرار والسلام بالأرياف لتحقيق وعد ديسمبر لجميع شعبنا".
بدوره، أكد وزير النقل السوداني، ميرغني موسى أن عودة القطار لبورتسودان تشكل جزءاً ضئيلاً من التعهدات التي قطعناها لهذا الشعب، ولمحة وفاء للشهداء، وتضحيات بحق الثورة.
وقال "هناك تغيير، وبشارة محمولة على سكة العودة إلى المحطات الأليفة، والتي نعمل على إنفاذها بكل ما أوتينا من قدرة".