"شريف وغالية".. قصة زوجين من ذوي الهمم تحديا أصعب الظروف (خاص)
من رحم المعاناة يولد الأمل، فدائما تخرج الأزمات أفضل ما فينا وتضعنا على طرق نجاح مختلفة.
ما سبق يلخص بإيجاز حال زوجين ليبيين من ذوي الهمم، كوّنا عش الزوجية بكفاح وإصرار وصبر، حتى ضربا أروع مثال في الوفاء وتحدي أصعب الظروف.
الزوج هو شريف محمود عوض، 64 عاما، والزوجة هي غالية عبدالحليم عبدالقادر، 57 عاما، وكلاهما من ذوي الاحتياجات الخاصة من فئة الصم والبكم، ويقيمان في مدينة طبرق شرقي ليبيا.
روى الزوجان قصتهما لـ"العين الإخبارية" على لسان نجلهما الإعلامي محمود شريف، الذي بدوره يجيد لغة الإشارة، فسلطا الضوء على طفولتهما، مرورا بفترة زواجهما، وحتى الصعوبات التي مرا بها.
طفولة الزوجين
جاء شريف إلى هذه الدنيا وهو يعاني من الصمم، رغم هذا، نشأ محبًا لكرة القدم، والتحق بصفوف فريق الصقور كحارس مرمى، وحصد عددا من الميداليات والجوائز، لكن على نحو مفاجئ قررت إدارة النادي استبعاده بسبب إصابته، في موقف أثر عليه سلبا حتى اللحظة.
لم يتوقف شريف عند هذه المحطة، فتجاوز أحزانه وأكمل سعيه، وعمل فنيا بشركة نفطية، ومنها انتقل إلى مصنع للأعلاف، ثم سائقا بوزارة العدل، وخلال تنقله من وظيفة لأخرى، واجه صعوبات عدة تمثلت في غياب أي شكل من أشكال الرعاية وهضم حقوقه.
من جانبها، أصيبت الزوجة غالية بالصمم بعدما تعرضت لحمى شديدة في طفولتها، ومع إدراكها للبيئة المحيطة وما ألمّ بها، سعت إلى إتمام دراستها، لكن تواجد أقرب مدرسة على مسافة 600 كم من منزلها حرمها من حلمها.
عثرات على طريق بناء الأسرة
بحسب ما نقله الابن عن والديه، كان زواج شريف وغالية تقليديا عبر تعارف الأسر كما هي العادة في ليبيا، وخلال هذه الفترة زاد إصرار الأول على الارتباط بالأخيرة، لرغبته في الزواج من سيدة تعاني نفس معاناته، بما يضمن لهما التفاهم.
واجه الزوج في بداية حياته عددا من العقبات، منها قلة الرواتب الخاصة بذوي الهمم، فلا تتعدى حاجز الـ570 دينارًا ليبيا (120 دولارا أمريكيا)، حتى مرت الأسرة بعثرات اقتصادية، تزامنت مع إيقاف راتب غالية بموجب نص قانوني، يحرم السيدات من ذوي القدرات الخاصة من رواتبهن حال زواجهن، وهذا بخلاف ما تعرضا له من تنمر.
تحديات
بمرور السنوات، رزق الله الزوجين بالأبناء، وخاضا تحديا جديدا انتهى بتقويم سلوكياتهم، بخلاف تعلمهم للغة الإشارة، حتى يكونوا على تواصل مع أبويهم، فكان من المفارقة أن يتعلم الابن الأكبر محمود لغة الإشارة قبل أن ينطق لسانه، وهذا بمعاونة جده.
كما حرص الأبوان على تعليم الأبناء، فعمل شريف ليل نهار ليوفر نفقات الدراسة، وهذا بخلاف دور الأم المؤثر داخل المنزل، بحسب رواية محمود: "والدتي لم تتأخر يوما عن موعد إيقاظ الأبناء.. علمتهم مسؤولية التعليم وأهميته وحبه، وأشرفت على أدائهم بمتابعة تحسن خطهم رغم أنها كانت لا تعرف ما المكتوب".
بتقدم أعمار الصغار، شرعوا في مرافقة والديهم خارج المنزل، وهنا وقعت المفاجأة، فيروي محمود: "في سن السادسة وأثناء التجول مع والدي في أحد أسواق المدينة، سمعت عبارات التنمر من كبار في السن عليه، باعتبار أنه لن يسمعهم، وهو ما سبب لي حزنا وألما، ودخلت في صدامات مع أشخاص حاولوا التنمر والإساءة إلى والدي".
الظروف الصعبة ظلت ترافق هذه الأسرة البسيطة، ففي عام 2003، أصيبت غالية بورم سرطاني، ما اضطرها للتوجه إلى بني غازي لـ6 أشهر كاملة، غابت خلالها عن أطفالها، الذي قضوا أيامهم بعيدا عن حضنها هي وزوجها، الذي لم يتخل عنها للحظة، إلى أن استعادت عافيتها.
بكاء الفرح
ظروف الأبوين ألقت بظلالها على مسيرة ابنهما محمود، فيقول إن حبه لمجال الإعلام بدأ عقب تعلمه لغة الإشارة وعمله الدائم على ترجمة نشرة الأخبار لوالديه، وهو ما واظب عليه منذ أن كان في الصف الرابع، ومنها بات مطلعا على شؤون بلاده والدول العربية والعالم أجمع.
هذه المعطيات حفزته على اقتحام هذا المجال، حتى حقق حلمه والتحق بكلية الإعلام في جامعة بنغازي، وفيها رفع رأس والديه بتصدره ترتيب دفعته، حتى كان مشهد التخرج عاطفيا ومؤثرا إلى أبعد الحدود، ففيه، انهمر والداه في البكاء، قبل أن ينالا تكريما خاصا من الخريجين وأساتذة الجامعة.
في نهاية حديثهما، قال الوالدان على لسان ابنهما: "لا شيء مستحيل في الحياة.. الإعاقة لم تكن عائقا في طريق العطاء، كما أن ذوي الهمم قادرون على بناء أسر ناجحة"، كما تمنيا أن توفر لهم الدولة ما يستحقونه من مظاهر العيش الكريم.