العالم يواجه فيضا من التحديات على الأصعدة كافة، ويصبح البحث عن فرصة جديدة للتطور والتنمية والتقدم والتكاتف مهمة مشتركة للبشرية جمعاء.
في وقت يواجه فيه العالم فيضاً من التحديات على جميع الأصعدة، يصبح البحث عن فرصة جديدة للتطور والتنمية والتقدم والتكاتف مهمة مشتركة للبشرية جمعاء.
لا يوجد ولا ينبغي أن يتواجد صراع بين الحضارات.. هذا ما أكده الرئيس الصيني شي جينبينغ في كلمته التي افتتح بها مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية الذي تستضيفه بكين من الخامس عشر إلى السابع عشر من مايو/أيار 2019.
مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية يحمل أهدافا بعيدة المدى تتجاوز حدود قارة آسيا فضلا عما يحمله من دروس مستفادة يمكن تبادلها لربط قارة آسيا بقارتي أفريقيا وأوروبا. ويأتي المؤتمر متناغما مع مبادرات الصين لدفع البناء المشترك للحزام والطريق وإلى بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية وغيرها.
في كلمته التي حملت عنوان "التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات الآسيوية ومجتمع ذي مستقبل مشترك"، أكد الرئيس شي أن البشرية تحتاج إلى قوة ثقافية، إلى جانب القوة الاقتصادية والتكنولوجية، لمواجهة التحديات المقبلة والمشتركة والتوجه نحو مستقبل مشرق، مشدداً على أن التحديات العالمية المتزايدة التي تواجهها البشرية حاليا تتطلب جهودا متضافرة من بلدان العالم كافة.
إن رؤية الزعيم الصيني لحوار الحضارات ليست حدثا طارئا وإنما عقيدة صينية راسخة. قبل خمس سنوات، وفي خطاب رئيسي ألقاه شي جينبينغ في مقر اليونسكو في باريس، طرح رؤيته عن الحضارة التي تتسم بالتنوع والمساواة والشمول، والتي تتزايد قيمتها وأهميتها اليوم قائلا: "نحن بحاجة إلى تشجيع مختلف الحضارات على احترام بعضها البعض والعيش معا في وئام مع تعزيز التبادلات والتعلم المتبادل بينها كجسر من الصداقة بين الشعوب، وقوة دافعة وراء المجتمع الإنساني، ورابطة قوية للسلام العالمي".
وقد أوضح الرئيس أن كل الحضارات تقف على قدم المساواة، فقال في كلمته خلال افتتاح مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية: "إن الاعتقاد بأن عرق وثقافة طرف ما، هما أسمى والإصرار على تغيير أو حتى استبدال حضارات أخرى أمر تافه في مفهومه وكارثي في ممارسته". وأضاف: "ليس هناك صراع بين مختلف الحضارات، نحن فقط بحاجة إلى النظر لتثمين جماليات كل الحضارات".
وقد دعا الرئيس شي، جميع الدول لتهيئة الظروف لتطور الحضارات الأخرى، والمحافظة على حيويتها الذاتية في الوقت ذاته. وقال: "علينا أن نُمَكِنَ مختلف الحضارات في العالم للعيش في ازدهار كامل.. لن يكون هناك احتكاك بين الحضارات طالما كانت الشعوب قادرة على تقدير جمال جميع الحضارات".
وقد لخص جوهر الحضارة الصينية، قائلا: "إن السعي إلى النوايا الحسنة مع الجيران والوئام مع جميع الدول هما الطريقة الصينية للتعامل مع العالم، وإفادة الناس ومنحهم الاستقرار والازدهار هي القيمة المميزة للحضارة الصينية، والتمسك بالإصلاح والابتكار ومواكبة العصر هي روح الحضارة الصينية التي لم تتغير؛ والالتزام بقواعد الطبيعة وتحقيق الوحدة بين الإنسان والكون هي فلسفة الوجود للحضارة الصينية". وأوضح رئيس الدولة صاحبة حضارة الخمسة آلاف عام أن نشأة صناعة الورق والبارود والطباعة والبوصلة والتقويم والفلسفة وفكر "الشعب أولا" في الصين قد أنتجت تأثيرا معمقا في العالم ودفعت عملية تطور الحضارة البشرية بشكل كبير. وأضاف أن الصين في المستقبل ستحتضن العالم بشكل أكثر انفتاحا وتساهم بإنجازات حضارية أكثر ديناميكية في العالم.
وتحدث شي عن الحضارات الآسيوية، مؤكدا أنها تكتب "فصلا رائعا" في الحضارة الإنسانية، نظرا لكونها واحدة من أقدم المستوطنات البشرية وموطنا رئيسيا للحضارة الإنسانية. تشغل آسيا ثلث إجمالي مساحة الأرض، وتضم ثلثي سكان العالم، وتتألف من 47 دولة وأكثر من ألف مجموعة عرقية. وقد حقق الآسيويون إنجازات ثقافية لا تصدق على مدى آلاف السنين الماضية وبدأوا التبادلات الثقافية والتعلم المتبادل منذ الأيام الأولى.
وقال إن تطلع الشعوب الآسيوية لحياة أفضل ينبغي أن يصبح حقيقة واقعة، منوها بأن البلدان الآسيوية شهدت مواقف تاريخية مماثلة وتتابع نفس الحلم. وفي مواجهة المستقبل، يتعين على الدول الآسيوية فهم الوضع العام والسعي لتحويل تطلعات الناس إلى حياة أفضل إلى واقع. وأعرب عن أمله بأن تحترم جميع الدول الآسيوية بعضها، وتثق ببعضها البعض، وتتعايش في انسجام وتوسع التبادلات العابرة للحدود والزمان والفضاء وكذلك العابرة للحضارات، وتحافظ معا على أوقات السلم التي هي أثمن من الذهب. ودعا قارة آسيا إلى تعزيز الثقة في الحضارة، قائلا: "يتعين علينا الحفاظ على التبادلات والتعلم المتبادل مع الحضارات الأخرى في العالم، والسعى إلى مواصلة كتابة فصول جديدة رائعة للحضارات الآسيوية. يجب أن نعزز الأساس الثقافي للبناء المشترك للمجتمع الآسيوي ذي المستقبل المشترك ومجتمع المستقبل المشترك للبشرية". وأشار إلى أن الحضارات تحتاج إلى مواكبة العصر، وأنه ينبغي تشجيع الابتكار لإعطاء دفعة حيوية لتقدم الحضارات، مع ضرورة الاحترام المتبادل والمعاملة المتساوية بين الحضارات، لافتا إلى أن الحضارة الصينية هي نظام منفتح تشكل من خلال التبادلات المستمرة والتعلم المتبادل مع الحضارات الأخرى. وأضاف أن الشعوب الآسيوية تتطلع إلى آسيا منفتحة ومتكاملة، محذرا من أن الحضارات ستفقد حيويتها إذا عادت الدول إلى العزلة وقطعت نفسها عن بقية العالم، معربا عن أمله في أن تشارك جميع الدول الآسيوية معا لتعزيز العولمة الاقتصادية التي تتميز بالانفتاح والشمول والتوازن، والمفيدة للجميع، وأن تعمل هذه الدول معا للقضاء على الفقر والتخلف فى بعض الدول.
وأكد الرئيس شي أن الصين مستعدة لتنفيذ خطة تعزيز السياحة الآسيوية مع الدول الأخرى، موضحا أن الصينيين قاموا بما يزيد على 160 مليون رحلة إلى خارج البلاد في عام 2018، في حين تجاوز عدد الرحلات الوافدة للسياح من خارج البلاد 140 مليون رحلة، واصفا ذلك بـ"القوى الهامة لتعزيز التبادلات والدراسة المتبادلة بين الحضارات الصينية والأجنبية".
إن مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية يحمل أهدافا بعيدة المدى تتجاوز حدود قارة آسيا، فضلا عما يحمله من دروس مستفادة يمكن تبادلها لربط قارة آسيا بقارتي أفريقيا وأوروبا. ويأتي المؤتمر متناغما مع مبادرات الصين لدفع البناء المشترك للحزام والطريق وإلى بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية وغيرها.
حسن وانغ ماو هو عضو المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، ونائب رئيس تحرير مجلة "الصين اليوم"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة