السبسي.. حامي الإصلاح والانفتاح من الاستعمار للإخوان
السبسي رجل أسكن سيناريوهات المشهد التونسي وعايشت مختلف محطاته لدرجة أن القسم الأكبر من السيرة الذاتية تتماهى مع جزء من تاريخ البلاد
موجة من الإشاعات حول وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، التهمت مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن تحسمها الرئاسة بنفي قاطع أخمد فتيل الأخبار المغلوطة المتداولة بشكل واسع.
- رئيس الوزراء التونسي ينفي وفاة السبسي بعد زيارته بالمستشفى
- جلسة طارئة للبرلمان التونسي إثر تفجيرات ووعكة صحية للسبسي
قايد السبسي.. هذا الرجل أسكن جميع سيناريوهات المشهد السياسي التونسي وعايشت مختلف محطاته، إلى درجة أن القسم الأكبر من السيرة الذاتية للسبسي تتماهى مع جزء من التاريخ الحديث للبلاد.
إنه رئيس تونس منذ 2014.. شخصية مخضرمة عايشت عهدي الرئيسين؛ الحبيب بورقيبة (1957-1987) وزين العابدين بن علي (1987-2011)، وترأس الحكومة الانتقالية عقب الاحتجاجات التي أطاحت بالأخير، قبل أن يصل إلى قصر قرطاج رئيسا للجمهورية التونسية.
هو تشكيلة فريدة من نوعها، تتقاطع عندها اعتباريته الذاتية بالحزبية بالوطنية، فتتشكل فسيفساء ثرية بالأحداث والمحطات الفارقة في تاريخ تونس.
تستعرض "العين الإخبارية" أبرز ملامح هذا السياسي المخضرم الذي تجمع العائلات السياسية في تونس على أنه صمام الأمان للبلاد في أكثر مراحلها تقلبا، وسدا منيعا بوجه الرجعية التي حاول تنظيم الإخوان الإرهابي الترويج لها بالبلاد منذ 2011.
ولد قايد السبسي في 26 نوفمبر/تشرين ثاني 1926 بضاحية سيدي بوسعيد بالعاصمة التونسية، اختار دراسة المحاماة، ويقول عنه المقربون منه إنه كان مولعا بالقانون، مقبلا على دراسته، شغوفا بالتفاصيل ومستمعا جيدا، حتى أن أصدقاءه كانوا يلجؤون إليه في المدرسة والجامعة لحل مشاكلهم.
تخرج السبسي عام 1950 في كلية الحقوق بالعاصمة الفرنسية باريس، وبعد عامين عاد إلى تونس والتحق بمكتب شهير للمحاماة.
وغداة الاستقلال، وتحديدا في 28 أبريل/نيسان 1956 دعاه الحبيب بورقيبة الذي كان حينها وزيرا أولا إلى ديوانه وكلفه بمتابعة ملف الشؤون الاجتماعية، لتكون تلك بداية المناصب السياسية في مسيرته.
وفي عام 1963 عين رئيسا لإدارة الأمن التونسي خلفا لـ"إدريس قيقة"، الذي تمت إقالته حينها على خلفية محاولة انقلابية كشف عنها في ديسمبر/كانون الأول 1962.
وبعد 3 سنوات أي في 1965 تقلد السبسي مهام كاتب دولة (برتبة وزير) للداخلية بعد وفاة الطيب المهيري، ومنها إلى وزارة الدفاع التي عين على رأسها في 7 نوفمبر/تشرين ثاني 1969.
وبقي في منصبه الأخير، حتى تعيينه سفيرا لبلاده في باريس، في يونيو/حزيران 1970.
المسار السياسي
ولعه بالسياسة برز منذ شبابه، حيث انخرط في الحزب الدستوري الجديد، وهو في الـ15 من عمره، متأثرا بمحيطه العائلي الذي كان مقربا جدا من حكام تونس في العهد العثماني، أو "البايات" نسبة إلى اللقب الذي كان يطلق على الحاكم حينها.
وبدأت تجربته السياسية تتراكم، فجمد نشاطه في الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم في 1971، على خلفية تأييده لإصلاح النظام السياسي، ثم انسحب منه 1974 لينضم 4 سنوات بعد ذلك إلى حركة "الديمقراطيين الاشتراكيين" بقيادة أحمد المستيري.
كان مسكونا بثنائية الإصلاح والانفتاح الديمقراطي، مولعا بالتغيير، مفعما بحماس جعله يتقلد أكثر من مهمة، فتولى بالتزامن مع نشاطه السياسي إدارة مجلة "ديموكراسي" المعارضة.
أما عودته إلى الحكومة، فكانت أواخر 1980، إثر تعيينه وزيرا معتمدا لدى رئيس الحكومة حينها محمد مزالي، والذي وجد فيه السبسي الرجل الميال إلى الانفتاح السياسي.
وفي 1981، تقلد مهام وزارة الخارجية، ولعب في تلك الأثناء دورا يشهد له التاريخ، في صدور قرار دولي أدان غارة إسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية بإحدى ضواحي العاصمة تونس.
من الحكومة والمناصب الوزارية، انتقل السبسي إلى القبة التشريعية، حيث انتخب عام 1989، أي بعد الإطاحة ببورقيبة، عضوا في مجلس النواب (البرلمان)، ثم تولى رئاسته بين 1990 و1991.
ما بعد 2011
بنهاية مدته النيابية عاد إلى عشقه القديم المحاماة، وظل يمارسها حتى احتجاجات 2011، وفي خضم الفوضى السائدة خلال تلك الفترة برز السبسي كصمام أمان بوجه سقوط مؤسسات الدولة والانزلاق لأزمة حادة.
وفي الوقت الذي اعتقد فيه الجميع أن الرجل اعتزل السياسة للأبد برز إلى الواجهة من جديد، معلنا ولادة حزب "نداء تونس" الذي لم به شمل العائلة الدستورية.
وفي ضربة مفاجئة للإخوان، تصدر الحزب الوليد نتائج أول انتخابات تشريعية تفضي إلى برلمان دائم بالبلاد، جرت في أكتوبر/تشرين أول 2014، وفاز السبسي بالانتخابات الرئاسية في خطوة أكدت أن الشعب سئم من الفوضى والاغتيالات التي اجتاحت البلاد في عهد الإخوان.