العسل المر.. هل تنتهي أزمات الدول بعد الانضمام لمبادرة البلدان المثقلة بالديون "هيبك"؟
وافق صندوق النقد الدولي على قرار انضمام السودان إلى مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون "هيبك"، فما هي هيبك وهل تنتهي الأزمات؟
تقول مؤسسات التمويل الدولية إنه تم تصميم المنهج الشامل لتخفيض الديون الذي يشترك فيه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على نحو يضمن ألا يواجه أي بلد فقير عبء مديونية لا يمكنه التعامل معه.
وحتى الآن، تمت الموافقة على حِزَم لتخفيض ديون 37 بلدا في ظل المبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبك)، منها 31 بلدا في أفريقيا، تتيح تخفيفا تدريجيا لأعباء خدمة الدين بقيمة 76 مليار دولار أمريكي.
وهناك دولتان ستحصلان على مساعدات في ظل المبادرة بعد انضمام السودان مؤخرا، بحسب الموقع الرسمي لصندوق النقد الدولي.
السودان آخر المتأهلين
قال مسؤول بوزارة المالية السودانية، إن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي وافق على قرار انضمام السودان إلى مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون "هيبك".
جاءت موافقة صندوق النقد الدولي، بعد أن قرر المجلس أن السودان وصل إلى نقطة اتخاذ القرار المطلوبة وفقا للمبادرة.
بموجب هذه الخطوة سيتم البدء في تخفيف ديون السودان المقدرة بأكثر من 50 مليار دولار، التي تشكل معضلة رئيسية أمام حل أزمته الاقتصادية المتفاقمة.
وأعلن صندوق النقد الأسبوع الماضي عن حصوله على تعهدات تمويلية من 101 دولة من أعضائه بقيمة تزيد على 1.415 مليار دولار للسودان، بما يسمح بتقديم إعفاء شامل من الديون الخارجية للسودان.
ما هي هيبك؟
هيبك هي مبادرة أطلقها البنك الدولي وصندق النقد الدولي عام 1996، بضغط من منظمات غير حكومية وهيئات أخرى، وسُميت مبادرة "HIPC" اختصارا لـ"Heavily indebted poor countries" أي "البلدان الفقيرة المثقلة بالديون" وهذه المبادرة أطلقت لتعمل على تخفيف عبء الديون عن الدول الفقيرة والعاجزة عن السداد، شريطة أن تفي الحكومات الوطنية لهذه الدول بمجموعة من أهداف الإدارة والأداء الاقتصادي، والقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية.
تخفيف أعباء الديون للحد من الفقر
منذ أن أطلق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مبادرة "هيبك" يعمل المجتمع المالي الدولي، بما في ذلك المنظمات متعددة الأطراف والحكومات، لتخفيض أعباء الدين الخارجي للبلدان الفقيرة الأكثر مديونية إلى مستويات يمكن تحملها.
وفي عام 1999، أجريت مراجعة شاملة للمبادرة أتاحت للصندوق تخفيف الديون على نحو أسرع وأعمق وأوسع نطاقا وعززت الروابط بين سياسة تخفيف الديون وسياسة الحد من الفقر والسياسة الاجتماعية.
وفي عام 2005، وللمساعدة على تسريع وتيرة التقدم نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية (MDGs) التي حددتها الأمم المتحدة، تمت تكملة مبادرة "هيبك" بمبادرة أخرى هي المبادرة متعددة الأطراف لتخفيف أعباء الديون.
وتتيح المبادرة متعددة الأطراف تخفيفا بنسبة 100% لأعباء الديون المؤهلة تقدمه ثلاث مؤسسات متعددة الأطراف – صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصندوق التنمية الأفريقي (AfDF) – للبلدان التي تستكمل عملية مبادرة "هيبك".
وفي عام 2007، قرر بنك التنمية للبلدان الأمريكية (IaDB) أيضا إتاحة تخفيف إضافي، "إلى جانب ما تقدمه مبادرة هيبيك" لأعباء خمسة بلدان مثقلة بالديون في نصف الكرة الغربي.
تخفيف الديون.. عملية ذات خطوتين
يتعين على البلدان استيفاء معايير معينة، والالتزام بالحد من الفقر عن طريق تغييرات في السياسات، والبرهنة على سجل أدائها الجيد بمرور الوقت.
ويقدم الصندوق والبنك الدولي تخفيفا مؤقتا لأعباء الديون في المرحلة الأولى، ثم يحصل البلد المستفيد على تخفيف كامل لهذه الأعباء عند الوفاء بالتزاماته.
الخطوة الأولى.. 4 شروط
نقطة اتخاذ القرار - يجب على البلد العضو استيفاء الشروط الأربعة التالية حتى يُنظَر في طلبه الحصول على مساعدات من خلال مبادرة "هيبك":
- أن يكون مؤهلا للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة لمجموعة البنك الدولي، والتي تقدم قروضا دون فوائد ومنحا لا ترد لأفقر بلدان العالم، ومن "الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر" التابع لصندوق النقد الدولي، الذي يقدم قروضا للبلدان منخفضة الدخل بأسعار مدعمة؛
- أن يكون مثقلا بأعباء ديون يتعذر الاستمرار في تحملها ولا يمكن معالجتها من خلال الآليات التقليدية لتخفيف أعباء الديون؛
- أن يكون قد أرسى سجل أداء إيجابيا في مجال الإصلاح والسياسات السليمة من خلال برامج يدعمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
- أن يكون قد وضع تقريرا عن استراتيجية الحد من الفقر من خلال عملية تشاركية واسعة النطاق تشمل كل أنحاء البلاد.
وبمجرد استيفاء البلد هذه المعايير الأربعة أو إحرازه تقدما كافيا نحو الوفاء بها، يصدر المجلسان التنفيذيان لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي قرارا رسميا بشأن أهليته للحصول على تخفيف أعباء الديون، ويلتزم المجتمع الدولي بتخفيض دينه إلى مستوى يُرتأى أن الاستمرار في تحمله ممكن.
ويشار إلى المرحلة الأولى في ظل مبادرة "هيبك" باسم "نقطة اتخاذ القرار".
وبمجرد أن يصل البلد العضو إلى نقطة اتخاذ القرار، يجوز له البدء فورا في الحصول على تخفيف مؤقت لخدمة دينه التي يحل أجل استحقاقها.
الخطوة الثانية.. 3 مراحل
نقطة الإنجاز - للحصول على تخفيض كامل ونهائي للدين القائم في ظل مبادرة "هيبك"، يجب على البلد العضو أن:
- ينشئ سجل أداء إيجابيا آخر من خلال برامج مدعمة بقروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
- ينفذ الإصلاحات الأساسية المتفق عليها عند نقطة اتخاذ القرار تنفيذا مرضيا.
- يعتمد تقريرا لاستراتيجية الحد من الفقر وينفذه لمدة عام واحد على الأقل.
وبمجرد أن يستوفي البلد المعني هذه المعايير، يمكنه الوصول إلى نقطة الإنجاز، التي تتيح له الحصول على التخفيف الكامل لأعباء الديون الذي تم التعهد بتقديمه عند نقطة اتخاذ القرار.
البلدان التي تتلقى تخفيفا لأعباء الديون: من بين التسعة والثلاثين بلدا المؤهلة أو المحتمل أن تتأهل لمساعدات مبادرة "هيبك"، هناك 36 بلدا تحصل على تخفيف كامل لأعباء الديون من الصندوق والدائنين الآخرين بعد بلوغ نقطة الإنجاز.
الصومال
وصل الصومال إلى نقطة اتخاذ القرار في ظل مبادرة "هيبك" في مارس 2020، وهناك بلدان آخران، تم تحديدهما كبلدين من المحتمل أن يتأهلا لمساعدات مبادرة "هيبك"، ولم يصل أيهما بعد إلى نقطة اتخاذ القرار الخاصة به.
وقد حقق السودان تقدما ملموسا نحو إرساء سجل أداء قوي في تنفيذ السياسة المطلوبة لتحقيق هذه الخطوة الأساسية والوصول في النهاية إلى تخفيف أعباء الديون، إلى أن انضم الإثنين للمبادرة.
تخفيف أعباء الديون يحرر موارد للإنفاق الاجتماعي
إن تخفيف أعباء الديون هو جزء من جهد أكبر بكثير، يتضمن أيضا تدفقات المعونة، لمعالجة احتياجات التنمية لدى البلدان منخفضة الدخل والتأكد من بقاء الديون في حدود يمكن الاستمرار في تحملها عبر الوقت. وحتى يحقق تخفيض الدين أثرا ملموسا على الفقر، ينبغي إنفاق الأموال الإضافية على برامج يستفيد منها الفقراء.
تعزيز الإنفاق الاجتماعي: قبل مبادرة "هيبك" كانت البلدان المؤهلة تنفق على خدمة الدين، في المتوسط، أكثر بنسبة ضئيلة مما تنفقه على الصحة والتعليم مجتمعين.
أما الآن فقد زاد إنفاقها بشكل ملحوظ على الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى. ويبلغ متوسط هذا الإنفاق خمسة أضعاف مدفوعات خدمة الدين.
تخفيض خدمة الدين: بالنسبة للبلدان السبعة والثلاثين التي تتلقى تخفيفا لأعباء الديون، انخفضت خدمة الدين المسددة بنحو 1,5 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي بين عامي 2001 و 2015.
وفي تاريخ أقرب، مع زيادة الدين العام في البلدان منخفضة الدخل، بدأت أعباء خدمة الدين في الزيادة، وإن كانت لا تزال أدنى بنقطة مئوية واحدة من مستويات ما قبل "هيبك" في عام 2017.
تحسين إدارة الدين العام:
أدى تخفيف أعباء الديون إلى تحسن واضح في وضع الديون لدى البلدان في مرحلة ما بعد نقطة الإنجاز، مما وصل بمؤشرات الدين إلى مستويات أدنى من مثيلاتها في البلدان المستفيدة من مبادرة "هيبك" أو غير المستفيدة منها.
غير أن كثيرا من البلدان لا تزال معرضة للصدمات، ولا سيما التي تؤثر على الصادرات، كما حدث أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية.
ولتحويل مسار الزيادة الأخيرة في أعباء الدين العام لدى البلدان منخفضة الدخل والحد من مواطن تعرضها لمخاطر الديون، ينبغي للبلدان انتهاج سياسات اقتراض حذرة وتعزيز إدارتها للدين العام.
مساعدات الصندوق لتخفيف أعباء الديون ومصادر المساعدات
يقدم صندوق النقد الدولي ومؤسسات أخرى متعددة الأطراف حوالي 44% من التمويل، ويأتي باقي التمويل من دائنين ثنائيين.
وتشير التقديرات إلى أن التكلفة الكلية لتقديم المساعدات لتسعة وثلاثين بلدا تأكدت أهليتها أو احتمال تأهلها لتلقي مساعدات تخفيف أعباء الديون في ظل مبادرة "هيبك" المعززة تبلغ حوالي 76 مليار دولار حسب صافي القيمة الحالية في نهاية عام 2017.
ويتم تمويل حصة الصندوق من التكلفة عن طريق المساهمات الثنائية وموارد الصندوق ذاته، وهي في الأساس دخل الاستثمار في عائدات بيع الذهب خارج السوق في عام 1999.
وأودعت هذه الأموال في الصندوق الاستئماني لموارد "تسهيل النمو والحد من الفقر" ومبادرة "هيبك".
والموارد المتوافرة في الصندوق الاستئماني ليست كافية في الوقت الراهن لتمويل تكلفة تخفيف أعباء الديون عن البلدين الباقيين المدينين بمتأخرات لصندوق النقد الدولي واللذين استوفيا الشروط المبدئية لتخفيف أعباء الديون وبلغا نقطة اتخاذ القرار.
ولم تتضمن خطة التمويل الأصلية تكلفة تخفيف أعباء الديون عن السودان والصومال. وفي ديسمبر 2019، وافق المجلس التنفيذي للصندوق على خطة تمويل ستساعد على تعبئة الموارد اللازمة لكي يغطي الصندوق نصيبه من تخفيف أعباء ديون الصومال.
ولما كان السودان قد حقق تقدما ملموسا نحو نقطة اتخاذ القرار، فإن هناك حاجة ماسة لتعبئة الموارد.
وقد تأهلت إريتريا أيضا لتخفيف ديونها في ظل مبادرة "هيبك" ولكنها غير مدينة للصندوق بأي التزامات مالية.
التحديات باقية
هناك تحديات مشتركة تواجه بقية البلدان في مرحلة ما قبل نقطة اتخاذ القرار، بما في ذلك الحفاظ على السلم والاستقرار، وتحسين الحوكمة وتقديم الخدمات الأساسية.
وستتطلب معالجة هذه التحديات جهودا متواصلة من هذه البلدان لتقوية السياسات والمؤسسات، ودعما من جانب المجتمع الدولي.
وهناك تحد آخر يتمثل في ضمان حصول البلدان المؤهلة على تخفيف كامل لأعباء الديون من كل دائنيها.
وبالرغم من أن أكبر الدائنين (البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وصندوق النقد الدولي، وبنك التنمية للبلدان الأمريكية وكل دائني نادي باريس) قد قدموا حصتهم من مساعدات تخفيف الديون في ظل مبادرة "هيبك"، بل تجاوزوا هذه الحصة، فإن هناك دائنين آخرين متأخرين عن هذا الركب.
فلم تُقدَّم حتى الآن إلا نسبة بسيطة من مساهمات التخفيف المتوقعة من المؤسسات الصغرى محدودة الأطراف، والدائنين الثنائيين الرسميين من غير أعضاء نادي باريس، والدائنين التجاريين، والذين يشكلون معا حوالي 26% من التكاليف الكلية لمبادرة "هيبك".
أما الدائنون الثنائيون من غير أعضاء نادي باريس فقد قدموا مجتمعين حوالي 51% من حصتهم في مساعدات تخفيف الديون من خلال مبادرة "هيبك"، ولكن حوالي ثلث هؤلاء الدائنين لم يقدموا أي مساعدات لهذا الغرض.
وبينما كان هناك بعض الزيادة في تقديم المساعدات على مدار الأعوام القليلة الماضية، فإن معدل تقديمها لا يزال أقل من المعدلات المقابلة للدائنين الآخرين.
وقد زاد تقديم الدائنين التجاريين لمساعدات تخفيف أعباء الديون زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة من خلال بضع عمليات كبيرة تدعمها عمليات إعادة الشراء في ظل برنامج تسهيلات خفض الديون على البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية فقط.
وقد باشر بعض الدائنين التجاريين دعاوى قضائية ضد البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، مما أنشأ تحديات قانونية كبيرة أمام عملية اقتسام الأعباء بين كل الدائنين، بما في ذلك المؤسسات متعددة الأطراف.
وبدأ عدد الدعاوى القضائية ضد البلدان الفقيرة المثقلة بالديون يتراجع في السنوات الأخيرة إلى أن استقر في السنوات القليلة الماضية.
ونظرا للطابع الطوعي الذي تتسم به مشاركة الدائنين في مبادرة "هيبك"، فسوف يواصل الصندوق والبنك الدولي ممارسة سبل الإقناع الأدبي لتشجيع الدائنين على المشاركة في المبادرة وتقديم نصيبهم بالكامل لتخفيف أعباء الديون من خلال مبادرة "هيبك".
وسيواصل الصندوق والبنك الدولي تحسين قدرتهما على متابعة تقديم مساعدات تخفيف أعباء الديون في ظل مبادرة "هيبك"، كذلك سيستمر الصندوق في معالجة القضايا المتعلقة بالمشاركة في مبادرة "هيبك" أثناء مشاوراته الاعتيادية وغيرها من البعثات إلى البلدان الدائنة.
aXA6IDMuMTMzLjEwOC4yMjQg
جزيرة ام اند امز