خطاب قوي في توقيت استثنائي.. السيسي يرسم «خطا أحمر» بشأن غزة

في مواجهة حرب تجاوزت السياسة إلى «الإبادة»، خاطب الرئيس عبدالفتاح السيسي الداخل والخارج بلغة حاسمة لا لبس فيها: "لا لتهجير الفلسطينيين، ولا لتشويه الدور المصري".
واليوم الثلاثاء، قال السيسي، في كلمته خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفيتنامي، إن «الحرب الدائرة في غزة لم تعد حرباً لتحقيق أهداف سياسية أو إطلاق سراح رهائن فقط، فقد تجاوزت هذه الحرب، منذ زمن أي منطق أو مبرر وأصبحت حرباً للتجويع والإبادة الجماعية، وأيضاً تصفية القضية الفلسطينية».
خطاب جاء محملا برسائل متعددة الاتجاهات، كاشفا زيف الروايات المتداولة حول معبر رفح، ومؤكدا أن القاهرة لن تكون طرفا في تمرير مخططات التهجير أو تصفية القضية الفلسطينية.
فما وراء كلمات السيسي؟
يقول الدكتور طارق فهمي المتخصص في العلاقات الدوليّة، والخبير في دراسات الشؤون الإسرائيلية، إن السيسي وجه كلمات متعددة في كل الاتجاهات للقوى التي تدعم «الممارسات الإسرائيلية في القطاع المحاصر».
وأوضح في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن هناك عدة رسائل من خطاب الرئيس السيسي؛ أبرزها:
- الإشارة إلى دور المجتمع الدولي «المتخاذل».
- تأكيد أن هناك بعض الدول لم تتعاون في حل الأزمة.
- محاولة لتصحيح المفاهيم بأن بلاده لم تغلق معبر رفح.
- حملت رسائل سياسية أمنية واستراتيجية في كل الاتجاهات.
- شملت الإشارة إلى التحديات والمخاطر التي تواجه الدولة المصرية.
وبالإشارة إلى كلمة «الإبادة الممنهجة» التي ذكرها السيسي أكثر من مرة في خطابه، وما إذا كانت تعني نية الدولة المصرية، التصعيد في الأروقة الدبلوماسية، لم يستبعد طارق فهمي تلك الإجراءات، مشيرًا إلى أن القاهرة قد تنضم إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.
لكنه قال إن أي إجراءات كهذه لها قنواتها ولا ترد على لسان الرئيس، مؤكدًا أن تزامن الكلمة مع حديث عن نية بنيامين نتنياهو باحتلال قطاع غزة، لا تعني أن القاهرة قد تتخذ إجراءات خشنة، خاصة أن القطاع لم يعد فيه إلا 25% غير خاضع للسيطرة الإسرائيلية.
أما عن مناشدته للرئيس الأمريكي التدخل، فقال فهمي، إن نداء السيسي لترامب هو الثاني من نوعه، متوقعًا ألا يمد الرئيس الأمريكي يده لحل الأزمة، بحسب فهمي.
دلالات سياسية
في السياق نفسه، قال طارق أبوزينب الباحث والمحلل السياسي، إن تصعيد الرئيس المصري في توصيف «الجرائم الإسرائيلية بأنها إبادة ممنهجة ليس تطورًا لغويًا بل موقف مبدئي واستراتيجي من رأس الدولة».
وأوضح، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي طالما تمسك بالحكمة وضبط النفس، بات يعتبر أن ما يجري في غزة «تخطى نطاق الانتهاكات وأصبح جريمة ضد الإنسانية تستوجب موقفًا دوليًا حازمًا».
هل ستتخذ مصر خطوات تصعيدية؟
لم يستبعد "أبوزينب" اتخاذ القاهرة خطوات سياسية أو قانونية إضافية على الساحة الدولية، دفاعًا عن الشعب الفلسطيني، وصونًا للأمن القومي المصري.
وأوضح أن القاهرة قد تتجه لدعم كافة المبادرات الدولية الرامية إلى وقف تصدير السلاح والذخيرة لإسرائيل، ومنها المخرجات المهمة لمؤتمر بوغوتا، مؤكدًا أن السيسي يدرك تمامًا أن «العدوان لا يُردع إلا بتجفيف منابع القوة التي تُستخدم في قتل الأبرياء».
الأمر نفسه، أشار إليه محمد فتحي الشريف المحلل السياسي المصري ورئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات، قائلا، إن هناك خطوات مصرية ستلجأ إليها القاهرة، للضغط نحو حلحلة الأزمة المتصاعدة في غزة؛ أبرزها:
- المضي قدما في طرحها لليوم التالي في غزة ورؤيتها نحو إعادة إعمار القطاع الفلسطيني.
- حشد التأييد الدولي والإقليمي للوقوف حائط صد ضد مخططات التهجير.
- الضغط بشكل أكبر في ملف إدخال المساعدات، ووقف إطلاق النار.
- انضمام مصر إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.
فهل تعني تصريحات السيسي إغلاق الباب أمام المفاوضات؟
بحسب المحلل السياسي طارق أبوزينب، فإن لهجة الرئيس عبدالفتاح السيسي تعكس «انسدادًا سياسيًا» بالغ الخطورة في مفاوضات غزة، ورفضًا مصريًا لـ«استمرار الابتزاز الإسرائيلي والقتل الجماعي تحت مرأى من العالم».
وأشار إلى أن مصر التي صبرت طويلًا بدأت تتحرك بثقلها الكامل، ولن تتردد في اتخاذ ما تراه مناسبًا لحماية أمنها القومي، وصون الدم الفلسطيني.
بدوره، يرى الشريف أن رسائل السيسي تعني رفضا لأي ضغوط على الدولة المصرية للقبول بمخطط التهجير، وتأكيدًا أن القاهرة ماضية في الطرح الذي تقدمت به، بشأن اليوم التالي في غزة.
رسائل للإخوان:
وأوضح رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن رسائل الرئيس المصري، كشفت الطرح الإخواني «المفلس»، ودحضت رواية التنظيم الإرهابي بشأن معبر رفح، التي تتقاطع مع الرواية الإسرائيلية.
وأشار إلى أن تأكيد السيسي أن بلاده لم تشارك في حصار القطاع، واستعداده لإدخال كميات كبيرة من المواد الإغاثية للفلسطينيين، يكشف بوضوح زيف الرواية الإخوانية، التي يحاول من خلالها التنظيم الإرهابي «الاصطياد في الماء العكر».
وكان السيسي قال إن الوضع الحاصل في غزة الآن، هو نتيجة لمنع إسرائيل إدخال المساعدات على مدى الـ21 شهرا الماضيين، وليس ناجماً عن أن مصر قد تخلت عن دورها في إدخال المساعدات أو أنها تشارك في حصار القطاع.
وأكد الشريف أن المساعي الإخوانية دائما ما تفسدها الدولة المصرية، بوقوفها حائط صد ضد مخطط التهجير، وتفنيد شائعاتهم، التي لم تتراجع يوما منذ الإطاحة بهم قبل أكثر من 10 سنوات في ثورة شعبية اقتلعتهم من جذورهم.
الأمر نفسه أشار إليه طارق أبوزينب الباحث والمحلل السياسي، الذي أكد أن بعض الأطراف، وفي مقدمتها تنظيم الإخوان، تروّج لروايات كاذبة تمّ تفصيلها في غرف البروباغندا الإسرائيلية، والتي تزعم مسؤولية مصر عن «تجويع غزة».
وفيما أكد أن «هذه الادعاءات الرخيصة تستهدف تشويه الدور المصري الوطني والتاريخي تجاه القضية الفلسطينية»، أشار إلى أن «من يخون الحقيقة، ويصطف مع رواية إسرائيل، هو جزء من الجريمة»، في إشارة إلى تنظيم الإخوان.
وكان البرلماني المصري مصطفى بكري، قال إن حديث الرئيس السيسي اليوم «عكس حجم الغضب لدى القيادة السياسية ولدى الشعب المصري، جراء المساومات السياسية على حساب القضية الفلسطينية.
وأضاف في تغريدة عبر حسابه بمنصة «إكس»، أن حديث السيسي يمثل رسالة قوية إلى العالم بأسره، بأن..
- مصر بوابة لإدخال المساعدات ولن تكون أبدا بوابة للتهجير.
- مصر لم تغلق قط معبر رفح، وهناك 5 آلاف شاحنة تنتظر الدخول لغزة.
- الحرب الدائرة لم تعد حربا لتحقيق أهداف سياسية أو بهدف إطلاق الرهائن، وإنما أصبحت حربا للتجويع والإبادة وتصفية القضية الفلسطينية.
- حياة الشعب الفلسطيني تستخدم كورقة سياسية للمساومة، والضمير الإنساني والمجتمع الدولي يقف متفرجا.
رسائل مصرية
وكان السيسي، قال إن حياة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، تُستخدم الآن كورقة سياسية للمساومة، فيما الضمير الإنساني يقف متفرجاً، ومعه المجتمع الدولي، على ما يتم في قطاع غزة..
وأكد أنه خلال 20 عاماً تقريباً، كان دور مصر هو محاولة لعدم اشتعال الموقف في قطاع غزة، بتهدئة أي اقتتال محتمل بين القطاع وإسرائيل، ولم ينته ذلك في الحرب الأخيرة.
وتابع الرئيس المصري، أنه بينما تسعى بلاده بجهد شديد لإيقاف الحرب وإدخال المساعدات وأيضاً إطلاق سراح الرهائن والأسرى، وجدت أن هناك شكلاً من أشكال الإفلاس في هذا الموضوع، تحت زعم أن المساعدات لا تدخل عبر المعبر بسبب مصر وأن مصر تمنع دخولها.. وهذا أمر غريب للغاية.
وأشار إلى أن "معبر رفح لم يُغلق، رغم تدميره أربع مرات أثناء الحرب الأخيرة.. نحن نقوم بعملية ترميمه وإصلاحه مرة أخرى حتى وصلت القوات الإسرائيلية على الجانب الآخر من المنفذ".
ولفت إلى أن "هناك إبادة ممنهجة في القطاع.. هناك إبادة ممنهجة في القطاع لتصفية القضية"، مؤكدًا أن "مصر ستظل دوماً بوابة لدخول المساعدات، وليست بوابة لتهجير الشعب الفلسطيني".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTAg جزيرة ام اند امز