رحلة سوشيرو هوندا.. الميكانيكي الفقير من الشحم إلى عرش السيارات
"لماذا تسحب يدك؟ أنا أحب الشحم!"، إنه موقف سطر في تاريخ اليابان عندما خجل عامل من السلام على رئيس شركة هوندا بسبب اتساخ يده بالشحم.
ولكن سوشيرو هوندا، مؤسس شركة هوندا لصناعة السيارات وأحد رموز النهضة اليابانية عقب الحرب العالمية الثانية عام 1939، جذب يد العامل بقوة وقال عبارته الشهيرة "لماذا تسحب يدك؟ أنا أحب الشحم!".
إن سوشيرو هوندا خير مثال للرجل العصامي الذي استطاع أن يصل إلى القمة منفردًا معتمدا على طموحه وإرادته، وولد سوشيرو عام 1906 في أسرى فقيرة تعيش في قرية يابانية، ومنذ نعومة أظافره وهو عرف طريق العمل سريعا، فكان يعمل مساعدا في ورشة والده لتصليح الدراجات الهوائية، ورغم المعاناة إلا أن سوشيرو استشعر حب الآلات، وخصوصا الدراجات.
ومع مرور الوقت وصعوبة المعيشة اضطر سوشيرو لترك الدراسة وهو في عمر الخامسة عشر، بسبب ضعف مسواه الدراسي الشديد، وانتقل إلى العاصمة طوكيو بحثا عن وظيفة، وبالفعل استطاع – بفضل عمله في قريته مساعدًا لأبيه في إصلاح الدراجات – ، الحصول على وظيفة عامل في ورشة سيارات.
وبعد 6 سنوات عاد سوشيرو الى بلده مليئا بالخبرات، وقرر افتتاح ورشة لإصلاح السيارات والدراجات البخارية وهو ابن الثانية والعشرين. ومع اهتمامه بالمحركات عموما إلا أنه كان جموحا في سباقات الدراجات البخارية تحديدا حتى انه كاد يفقد حياته في أحد المرات بسبب حادث تعرض له، وهذا الحادث، جعله يعتزل سباق الدراجات ويتفرغ فقط لإصلاحها وصناعتها.
محرك جديد.. "تويوتا" تحقق الحلم
وبدأ سوشيرو في تطوير محرك جديد، قائم على تطوير حلقات دائرية لمكبس الاحتراق "البستن". بعد سنوات من التطوير، استطاع سوشيرو تطوير محركه بالكامل، وبدأ في محاولة عرضه على عدد من الشركات اليابانية منها شركة تويوتا.
خلال العام 1938، قضى سوشيرو وقتا طويلا في محاولة اقناع تويوتا، مستخدما كل ما لديه من مال. إلا أن تويوتا رفضت عدة مرات الأخذ بعيّناته، وإعادته إليه طالبة منه المزيد من التطوير.
واستمر تطويره للمحرك بحسب مواصفات تويوتا لمدة عامين كاملين، حتى قررت تويوتا أخيرًا شراءه، بل منحته تويوتا مع عقد الشراء إمكانيات لتأسيس مصنع خاص يعمل على صناعة هذا المحرك وتزويده اليها بشكل ثابت.
صدمة الحرب العالمية
ووسط كل هذه الآمال، انهار كل شيء باندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939، والتي كانت اليابان طرفاً أساسياً فيها.
خلال فترة الحرب توقف كل شيء، ومرت اليابان بفترة كساد هائل أدى إلى خسائر هائلة لمصنع سوشيرو، وفي عام 1944، وقبل إعلان الاستسلام بعام واحد، تم تدمير المصنع بالكامل بواسطة طائرات من الحلفاء، اعتبروا أن المصنع قد يكون مخصصًا للإنتاج الحربي للجيش الياباني.
سوشيرو واقتصاديات الحرب
توقف كل شيء وانهار كل شيء، حتى انتهت الحرب. فقام سوشيروا ببيع ما تبقى من مصنعه إلى شركة تويوتا، ثم استغل هذا المال في تأسيس شركة الخاصة للمرة الأولى باسم "مركز هوندا للأبحاث التقنية" في عام 1946، وبدأ صناعة أول دراجة بخارية بمحرك قوي تعتمد على وقود رخيص السعر، بما يتناسب مع حاجة السوق الياباني المتهالك بعد الحرب.
هوندا وبداية النهضة
نجحت هوندا في تصنيع دراجات بخارية بمحركات قوية ووقود رخيص وأيضا سعر منافس، حتى أصبحت فترة الخمسينات هي عصر نهضة هوندا.
وسجلت هوندا خلال تلك الفترة قفزات كبيرة في السوق الياباني لتصبح هي زعيمة السوق في إنتاج الدراجات، لاحقا دخلت الشركة في إنتاج السيارات والمحركات بشكل أوسع.
في بداية السبعينيات، تقاعد سوشيرو هوندا من منصه كرئيس لمجلس ادارة هوندا، وظل رمزا للنهضة اليابانية حتى وفاته في التسعينيات، بعد أن لقبه اليابانيون بلقب "هنري فورد الياباني" الذي شارك في نهضة بلاده بعد انهيارها الكامل في الحرب.
aXA6IDE4LjExOC4xNDQuOTgg
جزيرة ام اند امز