أزمة لجان انتخابات الصومال.. صراع النزاهة وألاعيب فرماجو
صراع خانق تحتدم فصوله بين نظام الرئيس الصومالي عبدالله فرماجو والمعارضة، بشأن نزاهة لجان الانتخابات الفيدرالية والإقليمية.
أزمة خانقة تبعثر المشهد في بلد يستعد لإجراء انتخاباته التشريعية في ديسمبر/كانون الأول المقبل، والرئاسية في فبراير/ شباط القادم، تستبطن تطورات حول موقف المعارضة ومخاوفها، والأدوار الغائبة في الصراع.
صراع النزاهة
الثلاثاء الماضي، أصدر تحالف مرشحين للاقتراع الرئاسي (يضم نحو 12 مرشحا) بيانا أعلنوا فيه رفضهم القاطع للجان الانتخابية الفيدرالية والإقليمية، إضافة إلى لجنة إدارة الانتخابات التشريعية للمقاعد النيابية من أرض الصومال.
وأعرب المرشحون عن رفضهم للجنتين فيدراليتين، وهما لجنة الانتخابات الفيدرالية ولجنة حل الخلافات، علاوة على اللجان الإقليمية للولايات المشكلة حتى الآن، وهي غلمدغ وهيرشبيلي وجنوب غرب الصومال، الموالية لفرماجو.
وأرجع البيان الرفض إلى احتواء اللجان على أنصار نظام فرماجو، بينهم موظفون حكوميون حاليون من مكتبي الرئيس ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي.
كما تضم أفرادا من منتسبي الأجهزة الأمنية خاصة جهاز المخابرات بقيادة فهد ياسين الذي يدير اللجان الانتخابية من وراء الستار، وتم تعيينها من قبل رئيس الوزراء ورؤساء ولايات موالية للنظام الحالي.
المرشحون رفضوا أيضا لجنة إدارة الانتخابات التشريعية للمقاعد النيابية من أرض الصومال، والمكلفة من قبل مكتب رئيس الوزراء، وذلك للأسباب نفسها، إضافة إلى عدم المشورة مع السياسيين المنحدرين من تلك المنطقة من خارج أعضاء الحكومة، مثل رئيس مجلس الشيوخ عبدي حاشي عبدالله.
ألاعيب فرماجو
ردا على انتقادات المعارضة، عقد وزيرا الداخلية والأمن في الصومال مختار أفرح، وحسن حندبي، مساء الخميس، مؤتمرا صحفيا بمكتب روبلي، أكدا فيه أن مسار الانتخابات يمضي قدما ولا يتوقف لاحتجاج المعارضة وتهديداتها المتكررة بالمقاطعة.
وشدد الوزيران على أن البلاد اتجهت نحو الانتخابات، ولا تراجع عن تعيين أعضاء لجان الانتخابات، معتبرين أنها تأتي في إطار تنفيذ الاتفاق السياسي.
وأشادا بدور القوات الأمنية بمختلف أجهزتها، ورفضا اتهامات المعارضة بخصوص وجود عناصر من جهاز الاستخبارات في اللجان المكلفة بإدارة الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة.
وأرسلا تحذيرات للقوى الأمنية بعدم الإنجرار وراء الاستقطاب الإنتخابي، واللعب بدور حيادي، والابتعاد عن التجاذبات والتصريحات السياسية التي تتصاعد حدتها في الموسم الإنتخابي.
وتأكيدا لعدم وجود نية لإجراء تعديلات على اللجان الانتخابية، وقع فرماجو، أمس الجمعة، الاتفاق السياسي بهدف جعله صيغة نهائية لا تقبل التفاوض مجددا، مؤكدا في بيان صحفي المضي قدما بمسار الانتخابات دون الاستماع لمطالب المعارضة.
من جانبه، أجرى نائب رئيس الوزراء الصومالي مهدي غوليد خضر، لقاءات عبر وسائل إعلام رسمية ومستقلة، دافع من خلالها على ما وصفه بـ"نزاهة وأحقية" أعضاء اللجان بإدارة الانتخابات، حتى وإن كانوا موظفين حكوميين حاليا، ورفض اتهامات المعارضة بوجود عناصر من جهاز المخابرات الصومالي.
أدوار غائبة
دفاعا عن اللجان الانتخابية، لجأ نظام فرماجو إلى إحداث صخب إعلامي بدل الرد بعقلانية على اتهامات المعارضة بوجود منتسبي المخابرات ضمن اللجان الانتخابية المكلفة حتى الآن من الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية الموالية لها، وذلك في سبيل الدفع بأصوات مأجورة عبر وسائل الإعلام.
ويؤكد مراقبون وجود لاعبين بإمكانهم قلب الطاولة على أحد الأطراف، غير أن أدوارهم لا زالت غير ظاهرة حتى الآن، أبرزهم المجتمع الدولي الصامت حيال الاحتقان السياسي.
وهناك مبررات لتلك الخطوة وهي أن الوفاق السياسي جاء دون المستوى المتوقع، بمعنى أن المجتمع الدولي تعرض لخيانة من فرماجو الذي تعهد بإجراء انتخابات مباشرة، وأنفق ملايين الدولار من أجل بلوغ تلك النقطة، لكن النظام فشل في تحقيق ذلك.
وبعد ثبوت الفشل للجميع، لجأ رؤساء الولايات الإقليمية طوال فترة الحوار السياسي (يوليو-أكتوبر) إلى تركيز استراتيجية تخدم قضيتين: إنقاذ البلاد من التمديد لفرماجو، وعدم وقوع فراغ دستوري، مرغمين الأخير على توقيع اتفاق يقضي على إجراء انتخابات غير مباشرة استنادا إلى النظام العشائري المعروف بـ4.5 .
وهناك طرف آخر لا يزال دوره غائبا وهما رئيسا كل من ولايتي جوبلاند وبونتلاند أحمد مدوبي وسعيد عبدالله دني على الترتيب، والذين يتبنيان توجهات المعارضة للفترة الانتقالية التي يمر بها الصومال.
وحتى الآن، لم يكشفا عن اللجنتين الإقليميتين اللتين ستعملان على إدارة الانتخابات التشريعية الفيدرالية للمقاعد البرلمانية بولايتهما.
وتكمن قوة الرجلين في أن المجتمع الدولي هو ممول العملية الانتخابية في الصومال وراعي الاستقرار الأمني والسياسي، أما الولايتان فلديهما وزن سياسي يخول لهما رفض كل التصرفات الخاطئة، وفرض مطالب المعارضة على نظام فرماجو.
وتتخوف المعارضة من حدوث اختطاف الانتخابات ومن ثم تزوير نتائجها، ما يضمن عودة فرماجو للحكم مرة ثانية، ودخول الصومال في كابوس جديد يستمر لأربع سنوات أخرى.
وعزز مخاوف المعارضة، تقرير حديث صدر من معهد التراث للدراسات السياسية أمس الجمعة في مقديشو، يؤكد افتقاد مسار الانتخابات غير المباشرة إلى قيم تنظيمية منها المساءلة، والشفافية، والرقابة لضمان شرعيتها واستقلاليتها.
ووفق التقرير، فإن العملية الانتخابية هشة ولا يمكن أن تتخلى عن التعرض للتزوير أو الاختطاف الكلي، موجها بحل اللجان الانتخابية الفيدرالية والإقليمية المكونة من موظفي ومؤيدي نظام فرماجو ورؤساء الولايات الموالية له.
وأوصى التقرير بمنع أعضاء الخدمات الأمنية وموظفي الخدمة المدنية بمن فيهم الدبلوماسيون، من الإنضام إلى لجان إدارة الانتخابات، واستبدال اللجان الحالية المثيرة للجدل بأخرى تضم أفرادا لديهم سمعة طيبة وموثوقة لدى المجتمع.