ما ترجم إلى العربية من اللغات الأخرى انتقل عبر الترجمة العربية إلى لغات أخرى لأقوام يتكلمون العربية وإن لم يكونوا عرباً
يحتاج الأمر إلى شيء من البحث والتنقيب لتقديم أمثلة على أن اللغة العربية لعبت، في فترات من التاريخ، دور الوسيط بين آداب وأخرى. بمعنى أن ما ترجم إلى العربية من اللغات الأخرى، كالإغريقية مثلاً، انتقل عبر الترجمة العربية إلى لغات أخرى لأقوام يتكلمون العربية، وإن لم يكونوا عرباً، أو على الأقل توفر بينهم أدباء وعلماء لغة يعرفون العربية معرفة تمكنهم من الترجمة عنها إلى لغاتهم الأم.
مرجح أيضاً أن اللغة العربية كانت وسيطاً بين ثقافات ولغات أوروبية وثقافات الأمم التي أصبحت تدين بالإسلام، وأصبحت اللغة العربية معروفة فيها، كالكرد والفرس والأتراك وغيرهم
ومن الأمثلة الدور الذي اضطلعت به الأندلس فترة حكم العرب لها في نقل التراث الفلسفي الإغريقي، ومؤلفات أرسطو خاصة، إلى أوروبا، وحين نشطت الترجمة من العربية إلى اللغة الإسبانية القديمة، القشتالية، وكذلك إلى اللغة اللاتينية أمكن للأوروبيين التعرف إلى المؤلفات العربية، وليس هذا فحسب، وإنما تعرفوا أيضاً إلى الترجمات العربية من الإغريقية، حيث كان للعرب فضل كبير في صون التراث الأرسطي والتعريف به، مقارنة بتجاهل أوروبا له.
مرجح أيضاً أن اللغة العربية كانت وسيطاً بين ثقافات ولغات أوروبية وثقافات الأمم التي أصبحت تدين بالإسلام، وأصبحت اللغة العربية معروفة فيها، كالكرد والفرس والأتراك وغيرهم، فبات متيسراً على أهلها أن يترجموا من العربية إلى لغاتهم، بما في ذلك ما ترجمه العرب من اللغات الأخرى.
بعيداً عن هذا أو قريباً منه، لا أعلم بالضبط، وقعت عيني، مؤخراً، على معلومة موثوقة تفيد بأن شاعراً من آسيا الوسطى، وفي عهد قريب لا يتجاوز مطالع القرن العشرين، ترجم بعض أدب تشيخوف إلى لغته الأم، لا من الروسية كما يفترض المنطق كون تلك المناطق خضعت طويلاً للإمبراطورية القيصرية، ثم أصبحت في عداد الاتحاد السوفيتي، وإنما من اللغة العربية.
هذا الشاعر هو والد الشاعر الداغستاني - السوفيتي الشهير رسول حمزاتوف، وهو بالمناسبة كان شاعراً أيضاً، حيث يمكن القول: إن رسول ورث موهبة الشعر منه، وقرأ أدب تشيخوف أول ما قرأه باللغة العربية، لأنه لم يكن يعرف الروسية.
كان الرجل دائم التردد إلى سوريا، وفي مكتباتها عثر على بعض مؤلفات أنطون تشيخوف مترجمة إلى العربية التي كان يتقنها، فما كان منه إلا أن اقتنى ما وجده، ثم ترجمه من العربية إلى لغته الأفارية، وهي اللغة القومية للشعب الداغستاني، وكانت تلك المرة الأولى التي يقرأ فيها الداغستانيون تشيخوف بلغتهم، عبر "الوسيط" العربي.
أورد هذه المعلومة رسول حمزاتوف نفسه في حوار أجراه معه في القاهرة نبيل فرج، وأشار إليها الناقد الراحل رجاء النقاش في كتابه "شعراء عالميون".
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة