سعاد حسني.. الحلم الذي لم ينطفئ بعد
في صباح شتائي هادئ من عام 1943، ولدت زهرة جديدة في بستان الفن، سعاد حسني، الفتاة التي ستُصبح يومًا ما وجهًا مألوفًا لكل بيت عربي. كانت بدايتها متواضعة كأية زهرة تخشى الرياح، لكنها سرعان ما أصبحت شمسًا تضيء سماء الفن بألوانها الساحرة.
في أحد أحياء القاهرة الشعبية، مثل هذا اليوم 26 يناير / كانون الثاني وُلدت طفلة صغيرة تحمل أحلامًا تفوق سنوات عمرها. لم تكن تعلم أن ابتسامتها العفوية وصوتها الرقيق سيصبحان جواز عبورها إلى قلوب الملايين. حين اكتشفها المخرجون، رأوا فيها مزيجًا نادرًا من البراءة والجاذبية، روحًا مليئة بالحياة، ووجهًا يحمل أعمق المشاعر دون أن ينطق بكلمة.
في سنواتها الأولى في السينما، أثبتت سعاد حسني أن الفن ليس مجرد مهنة، بل حياة تُعاش على الشاشة. ظهرت كنسمة ربيع في أفلام مثل "حسن ونعيمة"، حيث تمازجت ملامحها البريئة مع صوتها الشجي لتصنع أولى خطواتها نحو القمة.
امرأة بألف وجه
لم تكن سعاد مجرد ممثلة تتلو الكلمات أو تؤدي الحركات، بل كانت كائنًا ينصهر مع الشخصية التي تؤديها. كل دور قدمته كان قطعة من روحها. في "خلي بالك من زوزو"، استطاعت أن تخلق مزيجًا ساحرًا من الضحك والدموع، راقصة بين صخب الحياة وأحلام البساطة. أما في "الكرنك"، فقد أظهرت وجهًا آخر، وجهًا مليئًا بالجرح والألم، عاكسة أوجاع الوطن قبل الفرد.
كانت قدرتها على التحول استثنائية؛ فتاة حالمة في "صغيرة على الحب"، امرأة مأساوية في "شفيقة ومتولي"، وأيقونة للكبرياء في "أهل القمة". كانت سعاد قادرة على أن تحمل الجمهور معها إلى عوالم مختلفة، تزرع فيهم الفرح تارة، وتُبكيهم تارة أخرى.
الحياة خلف الكواليس
لم تكن حياة سعاد حسني بعيدة عن الدراما التي عاشتها على الشاشة. قلبها كان مليئًا بالأحلام، لكنه كان أيضًا عُرضةً للانكسارات. عاشت قصص حب تركت بصماتها على روحها، وكانت زيجاتها المتعددة محاولة لإيجاد الأمان الذي طالما بحثت عنه. علاقتها مع علي بدرخان كانت من أكثر المحطات استقرارًا، لكنها لم تدم طويلاً. شُبهات كثيرة أحاطت بحياتها العاطفية، أبرزها علاقتها بالمطرب عبد الحليم حافظ، التي بقيت لغزًا دون إجابة.
غروب النجمة
مع تقدم السنوات، بدأت الأضواء تخبو عن سعاد، لا لأن الجمهور قد نسيها، ولكن لأن جسدها وروحها كانا يخوضان معركة صعبة. عانت من آلام جسدية ونفسية، أثرت على ظهورها وشغفها بالفن. كانت تلك السنوات مليئة بالصمت، لكنها لم تفقد بريقها في أعين من أحبوها.
وفي صيف 2001، حدث ما لم يتوقعه أحد. جاءت الأخبار من لندن تحمل صدمة للجميع: سعاد حسني رحلت عن عالمنا. كان رحيلها حزينًا، يحمل غموضًا لم يُفك شفرته حتى الآن. البعض قال إنها أنهت حياتها بنفسها، والبعض الآخر أشار إلى أنها كانت ضحية مؤامرة. لكن الحقيقة الوحيدة التي بقيت هي أن العالم فقد في ذلك اليوم وجهًا لا يعوض.
ذكرى لا تموت
رغم أن الستار قد أُسدل على حياتها، إلا أن روح سعاد حسني ما زالت حية في قلوب عشاقها. في كل مشهد من أفلامها، نراها تضحك وتبكي، ترقص وتحلم، وكأنها تهمس لنا بأنها لم ترحل حقًا. سعاد كانت وستظل أيقونة للجمال والحب والإنسانية، المرأة التي استطاعت أن تجمع بين بساطة الحارة المصرية وأناقة النجومية.
في ذكرى ميلادها، نتذكر سعاد حسني كحكاية لا تنتهي، حكاية رسمت بألوان الحلم والوجع، وكتبت على قلوبنا بحروف من نور.
aXA6IDMuMjEuMTU4LjU0IA== جزيرة ام اند امز