15 عاما على اتفاق سلام جنوب السودان.. دولة تنازعها الفرقاء
ينظر أبناء جنوب السودان إلى معاهدة السلام على أنها لم تكن أكثر من نقلهم من قبضة نظام البشير إلى الحركة الشعبية الحاكمة حالياً
15 عاماً مرت على توقيع اتفاق سلام تمخض عنه دولتان (السودان وجنوب السودان)، بعد سنوات من حرب أهلية طويلة الأمد، لكن نتج عنه مجرد انفصال بلا دولة متكاملة الأركان.
في 9 يناير/كانون الثاني 2005، وقعت الحكومة السودانية بقيادة علي عثمان طه نائب الرئيس المخلوع عمر البشير والحركة الشعبية آنذاك بقيادة الراحل جون قرنق، اتفاق سلام شاملا في ضاحية نيفاشا الكينية، أوقف حرباً قضت على حياة مليوني شخص.
وبعد 6 سنوات من توقيع اتفاق السلام، أجري استفتاء انفصل جنوب السودان بمقتضاه عن الشمال، وتحديداً في 9 يوليو/تموز 2011؛ حيث سيطرت الحركة الشعبية بقيادة سلفا كير ميارديت على مقاليد الحكم في جوبا كأحدث دول قارة أفريقيا آنذاك.
أما سلفا كير فقد حل خلفاً للراحل جون قرنق، الذي لقي حتفه في حادث غامض بسقوط طائرته في ضاحية نيوسايت جنوب شرقي البلاد، في رحلة عودته من أوغندا، أي بعد تنصيبه نائباً أول لـ"البشير" بـ21 يوماً.
السلام وأبيي
اليوم ينظر أبناء جنوب السودان إلى أن معاهدة السلام لم تكن أكثر من نقلهم من قبضة نظام البشير إلى الحركة الشعبية الحاكمة حالياً، التي باتت بدورها منقسمة على نفسها في 13 ديسمبر/كانون الأول 2013.
وقد تسبب هذا الانقسام في حرب أهلية؛ في ظل الخلافات الدائرة على السلطة بين سلفا كير ميارديت رئيس جنوب السودان ونائبه السابق ريك مشار.
هنا يعتبر مراقبون للأوضاع في جنوب السودان أنه منذ التوقيع على اتفاقية السلام الشامل 2005، لم تتحرك الجمهورية نحو أي إنجاز جديد.
عادل فارس مدير فضائية "جنوبنا" قال بدوره لـ"العين الإخبارية"، إن فترة الـ15 عاماً التي مضت على توقيع معاهدة السلام كانت كفيلة لإعادة تنظيم مؤسسات جنوب السودان، إلا أن النخبة في جوبا لم تعطِ نفسها وقتا كافيا لقراءة الاتفاقية بصورة جيدة، وبالتالي لم يتجاوزوا مشكلاتهم إلى الآن.
بعيداً عن مكاسب اتفاقية السلام الشامل للجنوبيين، لا تزال قضية منطقة أبيي المتنازع عليها بين الخرطوم وجوبا، دون أي جديد، رغم أنه كان من المزمع إجراء استفتاء شعبي بالتزامن مع مثيل له في جنوب السودان ليقرر أبناء عشائر دينكا نقوك وضعهم، وهو ما لم يحدث.
وفي هذا المنحى، قال الناطق باسم شبكة قانونيي منطقة أبيي، لوار نيوك، إن الموقعين على اتفاق نيفاشا تسرعوا في تسميته بالشامل، في حين أنه لم يكن سوى "تسوية" بين السودان وجنوبه.
سلام تقوده الخرطوم
وتمر ذكرى اتفاق نيفاشا في ظل انقسام وشقاق سياسي واضح بين مكونات جنوب السودان، وبعد 5 أعوام من حرب أهلية بين قوى المعارضة وحكومة جوبا، يترقب الجنوبيون لإحلال سلام شامل في بلادهم تقوده الخرطوم عبر تشكيل حكومة توافقية انتقالية تعيد زعيم المعارضة ريك مشار إلى السلطة.
وبات من المنتظر أن تقود الفترة الانتقالية في جنوب السودان إلى إصلاح المؤسسات وتحقيق العدالة ومحاربة الفساد وتقديم مرتكبي الجرائم والانتهاكات للعدالة، وجميعها قضايا فشلت اتفاقية السلام الشامل 2005 في تحقيقها.
وقال شول أندرو أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بحر الغزال، إن النخبة في جنوب السودان لم يكونوا على دراية كافية بتفاصيل اتفاق السلام هذا، ما أدى إلى ضعف هياكل دولة جنوب السودان عقب الانفصال.
وأكد أندرو في تصريح لــ"العين الإخبارية" أن الاتفاقية منحت فترة انتقالية مدتها 6 سنوات وحكومة مؤقتة في إقليم جنوب السودان، إلا أن إساءة السياسيين للسلطة أفرغت الاتفاق من محتواه، ما أدى إلى غياب الخدمات وضعف البنى التحتية وتفشي الفساد وانعدام المساءلة.
ومنحت اتفاقية نيفاشا نسبة 28% للحركة الشعبية للمشاركة في السلطة المركزية بالخرطوم و6% للقوى الجنوبية الأخرى، فيما استحوذت الحركة في جنوب السودان على أكثر من 50% من مقاعد السلطة في الإقليم.
ويشير ملونق شان، نائب سكرتير الحزب السوداني المتحد، إلى أن اتفاقية السلام لم تحقق شيئاً سوى حق تقرير المصير للجنوبيين، موضحاً أن الأوضاع السياسية الراهنة في البلاد لا تبعث بالطمأنينة على الإطلاق في ظل التدهور الاقتصادي وعدم جدية الأطراف في تنفيذ مستحقات السلام.
حكومة وحدة
وانفصل جنوب السودان عن الخرطوم في عام 2011، لكن الانقسام بين الرئيس سلفا كير ونائبه السابق ريك مشار أشعل حربا أهلية في عام 2013 أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص.
وكان يفترض وفقا للاتفاقية تشكيل حكومة وحدة وطنية في مايو/أيار الماضي، ثم تمديدها إلى 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لكن القضايا العالقة المتمثلة في الترتيبات الأمنية وعدد الولايات حالت دون توصل الأطراف إلى اتفاق لتشكيل الحكومة الانتقالية.
ووقّع الرئيس سلفا كير وزعيم المعارضة المسلحة ريك مشار اتفاق سلام في سبتمبر/أيلول 2018 بعد سلسلة من الاتفاقات التي لم تنجح في إنهاء الصراع الأهلي، الذي أودى بحياة الآلاف.
وسبق أن قال مشار إنه لن يشارك في تكوين حكومة الوحدة الانتقالية قبل حسم ملف قضيتي الترتيبات الأمنية، وعدد وحدود الولايات.
وفي سبتمبر/أيلول العام الماضي وقعت الحكومة والمعارضة اتفاقا لتنشيط عملية السلام.