مصانع الصلب "فرصة أخيرة للبقاء حيا".. رسائل أوكرانية من تحت الأرض
تحت الأرض بعشرة أمتار، أسفل حديد منصهر ودرجة حرارة مرتفعة، يقبع مئات الأوكرانيين ممن احتموا بمصانع الحديد من ويلات الحرب.
وبعد أن كانت مصانع الحديد مصدر قوة الاقتصاد الأوكراني، لأن 50% من عائدات صادرات الصلب كانت بالعملة الصعبة، تحولت المصانع اليوم إلى ملاجئ لحماية المدنيين من الحرب، حيث يضم مصنع زابوريجيا نحو 16 قبوا، وفي كل قبو تتكدّس كميات من المياه ومؤن الطعام وتنتشر مراحيض ومواقد على الحطب، في مشهد يدلّ على أن الحرب شكّلت عنصرًا أساسيًا في تفكير السوفيات عندما بنوا مصنع الصلب الأوكراني هذا.
ويقول إيهور بوهلاييف (20 عامًا) وهو موظف في زابوريجستال، "يمكننا أن نبقى في الملاجئ لوقت طويل.. وأعتقد أن ذلك سيعطينا فرصة للبقاء على قيد الحياة".
ورغم أن الحرب لم تصل إلى مصنع زابوريجستال الواقع في زابوريجيا جنوب أوكرانيا، لكن المصنع أُرغم على تعليق أنشطته بعدما اقترب منه خطّ الجبهة بشكل خطير.
شُيّدت الأقبية السفلية في مصنعَي آزوفستال وزابوريجستال في مطلع ثلاثينات القرن الماضي، وهي فترة كان العالم يتعافى خلالها من الحرب رغم أنه كان متّجهًا نحو حرب أخرى، والغاية منها إيواء آلاف العمّال.
تعود ملكية المصنعين إلى شركة ميتينفست هولدينج Metinvest Holding التي يملك غالبية أسهمها الرجل الأكثر ثراءً في أوكرانيا رينات أخميتوف.
يضمّ مصنع زابوريجستال 16 قبوًا، القبو الواحد على عمق عشرة أمتار تقريبًا، وبابه مضاد للانفجارات يبلغ سمكه عشرة سنتمترات.
تتضمن القاعة الطويلة والمُضاءة صفوفًا من المقاعد الخشبية وتصل سعتها إلى 600 شخص.
تسمح خزانات مياه بغسل المراحيض في حين تتكدّس في قاعة تخزين أغذية لحالات الطوارئ وعبوات مياه، وكذلك أكوام حطب للتدفئة بحجم برميل نفط، يصل ارتفاع كل منها حتى الصدر.
وتبلغ مساحة مصنع زابوريجستال 5.5 كلم ما يوازي نصف مساحة آزوفستال. ورغم ذلك، لا يزال ضخمًا والطريقة الوحيدة للتنقل بشكل فعّال بين وحداته هي باستخدام سيارة.
إضافة إلى حجم الموقع الهائل، فإن عدد الأماكن التي يمكن الاحتماء فيها بين المباني والأنفاق تحت المصنع، مذهلٌ، كما أن هناك نقاط مراقبة من أعلى المباني.
لكن الحرب مرّت من هنا، حتى لو أن زابوريجستال لم يكن مصيره مثل مصير آزوفستال، إلا أن الأعمال فيه توقفت.
وقد استؤنفت منذ مطلع أبريل/نيسان، في الوقت الذي انسحبت فيه القوات الروسية من محيط كييف، في مواجهة مقاومة أوكرانية شرسة.
صدر نبأ سار آخر هذا الأسبوع وهو إعلان واشنطن إلغاء الرسوم الجمركية على الصلب الأوكراني، لكن الوضع لا يزال صعبًا.
إذ إن أوكرانيا لا تمثل سوى 1% من واردات الصلب الأمريكية، بحسب السلطات الأمريكية، التي كانت تفرض رسومًا جمركية تصل نسبتها إلى 25%. وأصبحت الترتيبات اللوجستية تحديًا كبيرًا للمصدّرين الأوكرانيين، إذ إن مسارات النقل الاعتيادية دُمّرت جراء الحرب.
يقول المدير العام للمصنع ألكسندر ميرونينكو "لا يمكننا منافسة المنتجين الآخرين، لأن نفقاتهم اللوجستية أدنى. كي نتمكن من التصدير إلى الولايات المتحدة، سينبغي علينا الآن إرسال الإنتاج من زابوريجيا عبر بولندا".
تراجعت صادرات الصلب مقارنة لمستواها قبل الحرب وسيكون أساسيًا بالنسبة للاقتصاد الأوكراني استعادة وتيرتها وسوقها للتعافي.
ويضيف ميرونينكو "كانت إحدى الصناعات التصديرية الرئيسية، نحو 50% من العائدات بالعملة الأجنبية ينتجها قطاعا الصلب والتعدين في أوكرانيا".