في سوق الأسهم.. من ينتصر المعلومات أم السرعة؟
أسواق الأوراق المالية في حقيقة الأمر ما هي إلا معلومات يتم ترجمتها في الوقت المناسب إلى أوامر بالبيع أو الشراء.
هذه الفسلفة التي تبدو بسيطة تكمن بداخلها العديد من التفاصيل التي تشكل جدلا عبر عشرات السنين، وما زال قائما حتى الآن.
المعلومة الجوهرية الدقيقة هي مفتاح اقتناص فرص الاستثمار، وسعيا للحصول عليها دفع الكثير ثمنا باهظا مثل الرئيس الألماني كريستيان وولف، الذي تقدم باستقالته في 2012، إثر اكتشاف استفادته من معلومات مسربة في سوق الأسهم.
بل إن كبار المستثمرين وصناديق التحوط قد يلجأون إلى أساليب غير مشروعة أحيانا، بتسريب شائعات في الأسواق، لتضليل المستثمرين، تمهيدا لاقتناص فرصا حيوية بالسوق.
كل هذا مهم، ولكن إذا توافرت المعلومة الجوهرية ولم يتم الاستفادة منها في الوقت المناسب وبالسرعة المطلوبة، فحينها إما ستصبح عديمة الفائدة تماما، وإما تفقد جانبا من أهميتها.
وفي عالم الأسهم الذي بات سريع التقلب، أصبحت السرعة في تحليل البيانات وتنفيذ أوامر الشراء والبيع أمرا لا غنى عنه، ولعل التذبذبات القوية والسريعة لسهم "جيب ستوب" في وول ستريت ها العام خير دليل على هذا الواقع.
كيف تتحقق معادلة المعلومات والسرعة؟
يعتمد توفير المعلومات على تتبع مصادر البيانات قوائم مالية وأخبار اقتصاية وجيوسياسية واجتماعية وصحية، وتغريدات المشاهير وأصحاب المصالح، ثم العمل على تحليلها جيدا لتقدير القيمة السوقية المتوقعة للسهم.
هذه العملية قد يقوم بهما مستثمرون يتمتعون بخبرات في أسواق الأسهم، أو محللون فنيون وماليون تعينهم شركات وبنوك الاستثمار والصناديق لتحليل البيانات وقراءة ما وراء الأرقام والأحداث، مع استخدام أجهزة حاسب آلي وبرامج متخصصة في معالجة البيانات.
على الجهة الأخرى، لتحقيق سرعة الاستفادة من المعلومات، لا بد أن يتوافر شبكة اتصال قوية وسريعة بأسواق الأسهم، وفريق كبير مدرب جيدا على تنفيذ استراتيجيات التداول، وكلما زادت احترافية وعدد الفريق كلما تم إدارة المخاطر المرتبطة بسرعة تنفيذ الأوامر بشكل أفضل، وأكثر تكلفة أيضا.
ومن هنا نستخلص الارتباط الوثيق بين وفرة المعلومات والسرعة لتحقيق استراتيجيات الاستثمار، وكذلك التكلفة المرتفعة المرتبطة بهما.
صراع السرعة والمعلومات
كل هذا التناغم بين السرعة والمعلومات يكون أمرا بديهيا عند مرحلة معينة، حتى يبدأ كل منهما تطغى أهميته على الآخر، عندما يصل المستثمر إلى مرحلة متقدمة من امتلاك المعلومات أو تقنيات السرعة.
وهي النتيجة التي توصل إليها كل من بارت زو يوشين الأستاذ المساعد في العلوم المالية بكلية إنسياد، وشيانغ هوانغ أستاذ المالية بكلية هونج كونج، حيث أوضحا أن عملية اكتشاف أو الوصول إلى السعر المستهدف يتأثر بالتنافس بين المعلومة والسرعة.
الأسهم الأمريكية تسحق "البطالة" بقوة التكنولوجيا.. و"ميكرون" يتألق
ضربا الباحثان مثالا، بأن إذا كان هناك سهم يتداول عند مستوى 100 دولار، ومرشحا للانخفاض إلى 90 دولارا في غضون أسبوع بناء على المعلومات المتوافرة، ولكن مع دمج هذه المعلومات مع تقنيات السرعة فإنه يمكن الوصول إلى هذا السعر في يوم واحد.
ويشرح الباحثان السبب في هذه الحالة، بأن تقنية المعلومات المحسنة تؤدي إلى زيادة الطلب على السرعة، ومن ثم اتساع معرفة الكثير من المتداولين بالسعر المستهدف، والدفع إلى الوصول إليه سريعا.
ويشيران إلى هذا الوصول السريع إلى مستوى 90 دولارا، قد لا يدفع الكثيرين إلى الحصول على المزيد من المعلومات حول السهم، ما يدفع السهم للتوقف عند هذا السعر وعدم محاولة استعادة سعر 100 دولار.
السرعة وعشوائية المضاربات
في ظل توافر تقنيات الذكاء الاصطناعي وبرامج التحليل أصبحت السرعة قياسية ووفيرة ورخيصة، ما يدفع رغبة الجميع للحصول على المعلومات فقط على المدى القصير، ما يعني أنه سيكون هناك وفرة من المتداولين السريعين، ومن ثم ازدحام السوق بالمتداولين السريعين.
هذا الوضع قد يقلل الحافز لدى أغلب المتداولين بإنفاق مواردهم على المعلومات على المدى الطويل.
تباين الأسهم الأمريكية مع بلوغ العجز التجاري قمة جديدة
ومع توافر التطبيقات التي تسهل وتسرع عملية التداول مثل تطبيق "روبن هوود" المستفيد من توافر المعلومات عبر منصات مثل "ريديت"، فإن السوق يصبح أكثر إقبالا على الرهانات والمضاربات العشوائية الضخمة، لا سيما مع توافر إمكانية الاقتراض لشراء الأسهم بسهولة.
هذه الوضعية تسفر عن حدوث تقلبات حادة في الأسعار خلال الجلسة الواحدة، وهو ما رآه الجميع على أرض الواقع في سهم "جيم ستوب"، الذي تحرك في 10 مارس/آذار الماضي بين 172 دولارا و348 دولارا.