المنتدى الاستراتيجي: عائدات النفط لا تزال عصب التنمية
أستاذ اقتصاد النفط في كلية ESCP بزنس سكوول بلندن يقول إن النفط سيبقى المصدر الرئيسي للثروة العربية بشرط استثماره في تنويع مصادر الدخل
سجّلت جلسة "التحولات الاقتصادية العربية خلال العقد القادم" المنعقدة ضمن أعمال الدورة الثانية عشرة من "المنتدى الاستراتيجي العربي" مجموعة توقعات استراتيجية أبرزها صعود النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، واستمراره في القرن المقبل كمصدر الطاقة الرئيسي.
وطالب المتحدثون بإشراك القطاع الخاص بعملية التحول الاقتصادي والتكامل مع القطاع العام وتكامل الدول مع بعضها، وتعزيز استقطاب الثروات البشرية من أنحاء العالم والحفاظ على ثروة العقول بالمنطقة، وتسهيل انتقال البيانات وتشاركها، وحرية حركة السلع والخدمات، وتوحيد المعايير بين الدول لتسهيل إنشاء سوق مشتركة.
وأكد الدكتور ممدوح سلامة، خبير نفط عالمي وأستاذ اقتصاد النفط والطاقة في كلية ESCP بزنس سكوول في لندن، أن النفط سيبقى المصدر الرئيسي للثروة العربية ولكن بشرط استثماره في تنويع مصادر الدخل.
وأضاف أنه لن يكون هناك بديل عن النفط في القرن الحادي والعشرين، وأبدى ثقته باستمرار صعوده بالمدى البعيد إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، علما بأن دول الخليج العربي تحتاج إلى 80 - 85 دولارا للبرميل لموازنة ميزانياتها، علما بأن ما يحول دون ارتفاع الأسعار هي الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي قللت النمو الاقتصادي بنسبة 1%، حسب صندوق النقد الدولي.
وقال: "إن استخدام السيارات الكهربائية سيقلل نمو الطلب بشكل بسيط"، وبين أنه لن يكون هناك تحول فوري بالاستغناء عن النفط والغاز لصالح الطاقة البديلة، وأنه في عام 2030 سيزيد الطلب العالمي اليومي على النفط عن 110 ملايين برميل يوميا.
ودعا سلامة إلى استثمار عائدات النفط في قطاع الغذاء، وبدل تصدير الخام يجب التحول إلى صناعة المشتقات النفطية واستثمار جزء من الدخل في شركات رئيسية معروفة، ومن ثم التحول للطاقة الشمسية والنووية لتحلية مياه البحر وتوليد الكهرباء، لتوفير كمية إضافية من النفط للتصدير وتطوير اقتصادات الدول العربية غير النفطية.
ومن جانبه تطرق ألان بجاني، عضو المجلس الاستشاري الدولي للمجلس الأطلسي، إلى فرص التكامل الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قائلا: "إن فكرة التكامل وإن لم تكن جديدة ولكنها تتطلب حاليا مقاربات مختلفة، نظرا لعدم تمكننا سابقا من الوصول إلى النمو الاقتصادي المستهدف".
وأضاف "أداؤنا الاقتصادي دون المستوى بمؤشرات مختلفة، كما أننا متأخرون عن الدول المماثلة لنا في محاور عدة، فرغم أن تعدادنا السكاني يبلغ 8.5% من مجموع سكان العالم، فإن نسبة مساهمتنا في الناتج المحلي العالمي 3.4%، ولا تتجاوز حصتنا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة 4%، وهنا نتحدث عن فجوة تبلغ 2.5 تريليون دولار يمكن إضافتها إلى الناتج المحلي لدول المنطقة".
وتابع: "كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تمثل 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقتنا، بينما تبلغ في مناطق اقتصادية أخرى 4.9%، وهذا يعني فجوة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة الإضافية بمقدار 100 مليار دولار سنويا".
وأردف أن فجوة أخرى تبلغ 200 مليار دولار يمكن ردمها عند تطوير التجارة البينية بالمنطقة، إذ تبلغ تجارة السلع 16% فقط من التجارة الإجمالية، بينما تبلغ 63% في الاتحاد الأوروبي و52% في آسيا والمحيط الهادئ.
وأشار إلى أن عدم القدرة على إنشاء شركات خاصة رائدة متعددة الجنسيات تؤدي إلى فجوة تقدر بنحو 400 مليار دولار من العائدات التي يمكن أن توفرها مثل تلك الشركات، علما بأن منطقتنا لديها شركتان فقط ضمن قائمة فورتشن 500.
وأضاف أن دولنا ومنذ 70 سنة تحاول تطوير الاقتصاد عبر مقاربات تعتمد على الدول والحكومات والقطاع العام وقليلا فقط على القطاع الخاص رغم أنه هو الذي سيستفيد من التكامل الاقتصادي، وهو مطالب بثلاثة أمور هي: تعزيز التكامل الاقتصادي في المنطقة، تحديد نقاط الضعف المشتركة وتقديم التوصيات للحكومات، إتاحة التعاون الوثيق بين جهات القطاع الخاص.
وتطرق إلى التعاون بين جهات القطاع الخاص والحكومات، وبيَّن أن التكامل والتعاون بين القطاعين العام والخاص يجب أن يتجاوز مجرد تمويل مشاريع يعجز القطاع العام عن تمويلها بسبب أولويات تنموية، وأن يتحول إلى تكامل في التفكير بين القطاعين، وهنا لدينا مثال ملهم هو دبي التي أعطت مثالا للتكامل بين الطرفين.
وقال إن الأمر لا يتعلق فقط بالتمويل، فهناك أمور أخرى مثل فتح الأسواق وحرية الحركة وتيسير التعامل وهو موضوع أساسي لم ننجح فيه إلى اليوم إلا بقدر بسيط، وأيضا البيانات وأهميتها في تسهيل المهام، وحرية تحرك البيانات في المنطقة العربية، وهو أمر موجود ولكن لا تزال هذه التحديات ماثلة أمام الشركات، ونلحظ كيف أن دولا أخرى لديها أنظمة لتبادل البيانات مع ضوابط الخصوصية.
وناقش بجاني، خلال حديثه، تكامل دول المنطقة عن تحدي مواءمة المعايير، حيث لدينا سلع دون المستوى ومعايير مختلفة ومتنوعة بين الدول، فيما نحتاج ومن أجل خلق أسواق مشتركة إلى توحيد المعايير وإلا لن يستطيع القطاع الخاص المساهمة بتنمية المنطقة.
وقدر بجاني ملخص الأثر المحتمل في حال الأخذ بتلك التوصيات بنحو 231 مليار دولار تمثل 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة، ويتكون هذا المبلغ من قسمين الأول هو 100 مليار دولار تمثل 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي الأثر المقدر الناجم عن حرية حركة رؤوس الأموال، والقسم الثاني هو 131 مليار دولار تمثل 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي الأثر المقدر الناجم عن المعايير المشتركة وحرية حركة السلع والخدمات.
وأكد بجاني عدم إمكانية استمرار القطاع الخاص بمطالبة الحكومات بحل مشكلاته، خاصة أنه الأكثر استفادة من النمو الاقتصادي المرتقب، كما أن الحكومات لا يمكن أن تستمر بحمل مسؤولية تأمين الوظائف، وأن تكون مصدرها الرئيسي.
وردا على سؤال عما يمكن أن يؤدي إلى النجاح بما لم تتمكن المنطقة من عمله سابقا، قال: "لدينا أمثلة ملهمة قدمتها الإمارات وتقدمها السعودية حاليا، كما أن التكامل بينهما مثال ملهم للمنطقة، وهما أيضا نموذج للتنويع الاقتصادي في المنطقة التي تحتاج من أجل الارتقاء إلى مستوى التحديات إلى أمور منها تحسين البنية الضريبة، وتحويل الأهداف إلى واقع".
وتوقع أن تشهد المنطقة خلال 3-5 سنوات نقلة نوعية تسهم فيها القرارات الجريئة التي تغني الثروات البشرية للمنطقة، وهو ما بدأت به الإمارات خلال مبادرات عدة، وكذلك السعودية، وهو ما سبق أن ساهم في نمو الولايات المتحدة الأمريكية ووصولها إلى مكانتها العالمية.