أمريكا تستفيد من درس حرب أكتوبر.. ماذا فعل بايدن في مخزون النصف قرن؟
جاء إعلان إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن خطة لسحب مليون برميل يوميا من الاحتياطي الاستراتيجي النفطي على مدى الشهور الستة المقبلة في قرار "غير مسبوق"، ليعيد للأذهان درسا عربيا تلقاه الغرب قبل 49 عاما.
ومنذ عام 1975، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة في تخزين احتياطي استراتيجي من النفط عقب حظر النفط العربي إبان حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، حيث منعت منظمة الدول العربية المصدرة للبترول "أوابك" تصدير النفط إلى الولايات المتحدة والبلدان الأخرى التي تؤيد إسرائيل في حربها ضد مصر والعرب.
وقبل شهر ومع بداية الحرب الأوكرانية وزيادة أسعار النفط، قال وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لومير، إن أزمة الطاقة الحالية التي تترافق مع ارتفاع كبير في الأسعار "شبيهة في حدتها بالصدمة النفطية في عام 1973".
وتشهد أسعار النفط والغاز ارتفاعا كبيرا منذ بدء العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي وما تبعها من إعلان الولايات المتحدة حظر واردات النفط والغاز الروسيين.
مخزون النفط الأمريكي
بحسب وزارة الطاقة الأمريكية (مكتب إدارة الطاقة الأحفورية والكربون) فإن حجم الاحتياطي الاستراتيجي يبلغ 604.5 مليون برميل (وذلك حتى تاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021).
وهذا الاحتياطي يتم تخزينه في مجمع حكومي مكون من 4 مواقع بها كهوف تخزين عميقة تحت الأرض تم إنشاؤها في قباب الملح على طول سواحل خليج تكساس ولويزيانا.
وأوضحت الطاقة الأمريكية أنه تم ملء الاحتياطي الاستراتيجي إلى سعته التخزينية المرخص بها، والتي تبلع 727 مليون برميل في 27 ديسمبر/كانون الأول 2009.
إلا أن البيع والسحب منه، أدى إلى خفض المخزون إلى 695.9 مليون برميل بحلول عام 2011.
وفيما يلي أبرز عمليات السحب من المخزون الاستراتيجي.
- نوفمبر 2021 (سحب 50 مليون برميل)
أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة سوف تسحب 50 مليون برميل من مخزونها الاستراتيجي النفطي، بالتنسيق مع الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية وبريطانيا.
- حرب 2011 في ليبيا
في يونيو/حزيران 2011، أمر الرئيس باراك أوباما ببيع 30.6 مليون برميل بسبب تعطل الإمدادات في ليبيا.
وجرى تنسيق عملية السحب مع وكالة الطاقة الدولية التي سحبت 30 مليون برميل أيضا.
- إعصار كاترينا 2005
في سبتمبر/أيلول 2005، وبعد أن عطل الإعصار كاترينا إنتاج النفط وتوزيعه والمصافي في لويزيانا وميسيسيبي، أمر الرئيس جورج بوش الابن ببيع 30 مليون برميل من النفط.
وانتهى الحال إلى بيع 11 مليونا منها لشركات الطاقة. وفي رد منسق حددت وكالة الطاقة الدولية هدفا يتمثل في إتاحة 60 مليون برميل من النفط والمنتجات البترولية، لكن ما بيع من هذه الكمية في النهاية كان أقل من ذلك.
ماذا حدث في 1973؟
سلاح النفط الاستراتيجي كان مفاجأة الحرب الاقتصادية التي شنتها الدول العربية على المعسكر الغربي الداعم لإسرائيل، ساهم في دفع الراية نحو الجانب المصري لحصد الانتصار التاريخي.
القصة بدأت عبر زيارة سرية قام بها الرئيس المصري محمد أنور السادات للعاهل السعودي الملك فيصل في الرياض أغسطس/آب 1973 أخبره خلالها بنواياه في خوض المعركة لتحرير سيناء، وطلب منه وقف تصدير النفط إلى الدول الغربية التي تمد إسرائيل بالسلاح.
وفي أعقاب تلك الزيارة اجتمعت الدول المصدرة للنفط ومنها "السعودية والإمارات والجزائر والعراق وليبيا" في 15 سبتمبر/أيلول من نفس العام لبدء التفاوض في رفع أسعار النفط عالميا ووضع حد لدعم إسرائيل.
ومع تحضيرات الدول العربية التي اتفقت على عقاب إسرائيل ومن يدعمها باستخدام سلاح النفط، بدأت مصر وسوريا هجوما ثنائيا على إسرائيل من أراضيها في السادس من أكتوبر/تشرين الأول.
ومع تقدم القوات المسلحة المصرية وتغلغلها في اتجاه تحرير الأرض كانت "أوبك" تتم مفاوضاتها 10 أكتوبر/تشرين الأول 1973 مع شركات النفط لرفع الأسعار وتعديل اتفاق طهران 1071.
وكانت أمريكا قد بدأت في إمداد اسرائيل بالأسلحة عبر النقل الجوي فيما عرف بعملية "العشب النيكيلي" في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، غير أن الدول العربية متمثلة في السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والعراق والجزائر والكويت وقطر اتفقت على خفض إنتاج النفط ورفع الأسعار من جانب واحد بنسبة 17% لعرقلة إمدادات الولايات المتحدة إلى إسرائيل.
وكانت الضربة القاصمة للولايات المتحدة وإسرائيل يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، الذي اتفقت فيه الدول العربية مجتمعة على استخدام سلاح النفط لمعاقبة كل من يدعم إسرائيل وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
ومع مطالبات الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون للكونجرس باعتماد 2.2 مليار دولار يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 1973، كدعم عاجل لإسرائيل كان النفط العربي قد تم حظره تماما إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وامتد الحظر بعد ذلك ليشمل هولندا في 28 أكتوبر/تشرين الأول.
وظلت الدول العربية تحارب جنبا إلى جنب مع مصر وسوريا بسلاح النفط الفتاك لاقتصاديات الدول الموالية لإسرائيل، حتى حظرته على البرتغال وجنوب أفريقيا في 23 من نوفمبر/تشرين الثاني 1973، بعد خفض الإنتاج بنسبة 25%، وتهديدات بخفضه 5% إضافية، ما أجبر دولاً كبيرة على اتخاذ موقف الحياد تجاه الحرب كفرنسا وألمانيا.
وبعد ضمان انسحاب إسرائيل تماما من ساحة الحرب وإعلان الانتصار المصري، أعلن وزراء نفط الدول العربية نهاية الحظر المفروض على الولايات المتحدة التي تكبدت خسائر باهظة، وشهدت ارتفاعات متعاقبة في أسعار البنزين، بينما فقدت بورصة نيويورك للأوراق المالية 97 مليار دولار من قيمة أسهمها في 6 أسابيع.