الذريعة التي تقدمها واشنطن للسيطرة على حقول النفط السورية، أكثر من واهية؛ إذ يفترض أنه تم القضاء على تنظيم "داعش" بنسبة مئة في المئة
مع تكرار إعلان الانسحابات الأمريكية من سوريا، والاستقرار أخيراً على إبقاء نحو 600 جندي أمريكي للسيطرة على مواقع النفط السورية، بذريعة عدم وقوعها في قبضة تنظيم "داعش" مجدداً، أو عودتها إلى الدولة السورية، عادت قضية الثروات النفطية السورية لتطفو بحدة على سطح الأحداث، خصوصاً لدى اللاعبين الكبار، على نحو يشي بإمكانية تدويل هذه القضية.
السؤال يظل قائماً حول ما إذا كان هذا السباق للسيطرة على النفط السوري سيؤدي إلى تفجير صراع بين القوى الخارجية، أم يؤدي إلى نقله إلى الأروقة الدولية بحثاً عن توافق للخروج من هذه الورطة، أم إدخال الموضوع برمته في إطار التسوية المحتملة، وعندها لا مجال سوى الانتظار
الذريعة التي تقدمها واشنطن للسيطرة على حقول النفط السورية، أكثر من واهية؛ إذ يفترض أنه تم القضاء على تنظيم "داعش" بنسبة مئة في المئة، بحسب التصريحات الأمريكية، وحتى لو عادت خلاياه النائمة إلى الحياة لتنشط مجدداً، فإنه لم يعد بوسعها مسك الأرض والسيطرة على حقول نفطية بهذه البساطة.
كما أن الحديث عن منع عودتها للدولة السورية يكشف ليس فقط عن غطرسة أمريكية واستهتار بالقوانين الدولية وسيادة الدول على أراضيها وثرواتها، وإنما يفضح الأهداف الحقيقية للسيطرة الأمريكية على هذه الحقول النفطية؛ إذ بينما كانت موسكو تطالب بسيطرة الحكومة السورية على منابع النفط، فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجميع بتصريحه يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأنه يعتزم عقد صفقة مع شركة "إكسون موبيل" الأمريكية للذهاب إلى سوريا، واستخراج النفط "بشكل صحيح"، وأنه "آن الأوان لأن نأخذ حصتنا الآن". بهذه البساطة وهذا الوضوح، إن بقاء 600 جندي ذريعة لمحاربة "داعش" ليس سوى موطئ قدم للسيطرة على النفط السوري وبيعه لصالح الخزينة الأمريكية.
بطبيعة الحال، الأطماع الخارجية في النفط السوري لا تتوقف على الأمريكيين، ففي بداية الأحداث السورية سيطرت "جبهة النصرة" على بعض هذه الحقول، ثم تلاها تنظيم "داعش"، وكلاهما كان يبيع النفط لتركيا، قبل أن تتمكن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من طرد "داعش" منها وعقد اتفاق مع دمشق، عبر وكلاء، لبيعها جانباً من النفط الخام مقابل إعادة كمية من البترول المصفى (الديزل)، والإبقاء على خطوط إمداد الكهرباء في مناطق السيطرة الكردية.
وقد بقي هذا الاتفاق سارياً إلى حين الاجتياح التركي، وعودة القوات الأمريكية للسيطرة عليها، لكن الغريب في الأمر أن تركيا التي لم تنجح في ابتزاز أوروبا لتمويل إقامة "المنطقة الآمنة"، بدأت هي الأخرى في الكشف عن أطماعها في النفط السوري، والمطالبة بالسيطرة عليه لبيعه لتمويل إقامة هذه المنطقة، والإنفاق على إسكان ملايين اللاجئين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، مع كل ما يعنيه ذلك من جرائم ضد الإنسانية، عبر إحداث تغيير ديموغرافي لسكان شرقي الفرات. غير أن السؤال يظل قائماً حول ما إذا كان هذا السباق للسيطرة على النفط السوري سيؤدي إلى تفجير صراع بين القوى الخارجية، أم يؤدي إلى نقله إلى الأروقة الدولية بحثاً عن توافق للخروج من هذه الورطة، أم إدخال الموضوع برمته في إطار التسوية المحتملة، وعندها لا مجال سوى الانتظار.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة