غياب لافت للمتمردين عن مفاوضات المرحلة الانتقالية بالسودان
الحركات المسلحة في دارفور احتجت صراحة على تجاوزها من قبل النخب السياسية في الخرطوم وعدم إشراكها في الترتيب لمرحلة ما بعد سقوط البشير.
بينما تخوض القوى السياسية السودانية في المركز هذه الأيام مفاوضات من أجل الوصول إلى تسوية سياسية تؤسس لمرحلة ما بعد سقوط نظام البشير، تقف القوى السياسية التي تمردت بالسلاح على نظام البشير في دارفور والمنطقتين بعيداً ترقب هذا الجدال دون أن تكون شريكاً فيه.
- غداة مقتل 6.. محتجو السودان يغلقون طرقا جديدة لحماية الاعتصام
- اعتصام الخرطوم.. انتشار كثيف للغاز المسيل للدموع والمحتجون يعززون المتاريس
وأعلنت الحركات المتمردة والمسلحة في دارفور احتجاجها صراحة على تجاوزها من قبل "نخب المركز" وعدم إشراكها في الترتيب لمرحلة ما بعد سقوط البشير، من خلال المفاوضات الجارية حالياً بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير.
لكن في ذات الوقت التزمت الحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة الجنرال عبدالعزيز الحلو، التي تقاتل في منطقتي "جبال النوبة والنيل الأزرق" الصمت حيال ما يجري، ولم تعلق على عدم إشراكها في المفاوضات التي تجرى في الخرطوم بين العسكريين والمدنيين بشأن نقل السلطة إلى حكومة مدنية.
بينما وصل وفد من الحركة الشعبية قيادة مالك عقار، إلى الخرطوم للانخراط مع المفاوضين حول نقل السلطة إلى المدنيين وتأسيس حكومة انتقالية تمهد لإجراء انتخابات عامة.
وتقود 3 حركات مسلحة في دارفور هي "العدل والمساواة، برئاسة د. جبريل إبراهيم، وتحرير السودان، برئاسة مني أركو مناوي، وجيش تحرير السودان برئاسة عبدالواحد محمد نور" تمردا مسلحا منذ عام 2003، ردت عليه حكومة نظام البشير السابق بعنف مفرط خلف انتهاكات إنسانية فظيعة.
وفي عام 2009 أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال بحق عمر البشير و3 مسؤولين آخرين بعد اتهامهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، حيث تقدر الأمم المتحدة عدد ضحايا دارفور بنحو 300 ألف شخص.
وعقب اندلاع الاحتجاجات السلمية في الخرطوم وعدد من الولايات أعلنت الحركات المسلحة في "دارفور والمنطقتين" دعمها للحراك السلمي، وأصدرت قرارات بوقف إطلاق النار، وظلت تراقب الأحداث عن كثب.
وبعد الإطاحة بالبشير في 11 أبريل/نيسان الماضي بواسطة الجيش الذي انحاز إلى الشعب وتسلم السلطة انخرط قادة الاحتجاجات في مفاوضات مع العسكريين لنقل السلطة إلى المدنيين.
لكن هذه المفاوضات غاب عنها أي تمثيل لهذه الحركات المسلحة رغم أن بعضهم جزء من تحالف "نداء السودان" الموقع على "إعلان الحرية والتغيير"، وهو ما جعل حركتي العدل والمساواة، برئاسة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان، برئاسة أركو مناوي، تحتجان على تغيبهما عن المفاوضات مع المجلس العسكري.
من جانبه، أعلن عبدالواحد محمد نور عدم اعترافه بوثيقة إعلان الحرية والتغيير برمتها، بحجة أنه لم يكن جزءاً منها ولن ينضم لها لأن ذلك يجعل من أنجزوا الوثيقة أُصلاء والآخرين تابعين، حسب قوله.
يقول المتحدث باسم حركة العدلة والمساواة المتمردة في دارفور، محمد زكريا، لـ"العين الاخبارية" إن إقصاءً تم في مواجهة فصائل "الجبهة الثورية" تحالف يجمع عددا من المتمردين لحرمانها من المشاركة في المفاوضات الجارية حالياً بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوى الحرية والتغيير.
وأضاف أن "الجبهة الثورية السودانية مكون أصيل من مكونات إعلان قوى الحرية والتغيير" ولكن حدث إقصاء لها من قبل أطراف في "نداء السودان" من عملية الاتصال بالمجلس العسكري الانتقالي".
وأوضح زكريا أنه لا بد من عملية تفاوض مع الحركات المسلحة في منابر مختلفة عما يجري في الخرطوم، بغية الوصول لاتفاق سلام يعالج قضايا الحرب والترتيبات الأمنية المتعلقة بدمج القوات وقضايا التعويضات للضحايا ومعالجة ملف النازحين واللاجئين.
وأكد أن قادة الحركات لن يعودوا إلى السودان إلا عن طريق اتفاق سلام، لكن ذلك لا يمنع هذه الحركات من إرسال وفود مقدمة حال توقيع اتفاقات إطارية، بحسب زكريا.
وأضاف أن "التفاوض عبر الحرية والتغيير لا يلغي التفاوض في ملفات السلام، الحركات لديها جيوش ما يستلزم ترتيبات أمنية، كذلك ترتيبات عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية التي لا يزال تستوطنها مجموعات أخرى مستجلبة".
وأشار زكريا إلى قضايا أخرى ينتظر حلها في منبر تفاوضي خاص بينها قضايا "أسرى الحرب، وإعمار ما دمرته الحرب، والمحاسبة والعدالة الانتقالية وجبر الضرر والتعويضات، والضمانات الدولية للاتفاق، وتمثيل الحركات في مستويات الحكم المختلفة".
من جهته، حذر مسؤول في حركة تحرير السودان، برئاسة أركو مناوي، من الحلول الجزئية لأزمات السودان لأنه سيكرر تجارب الماضي، ويعيد إنتاج الأزمة من جديد.
وقال مسؤول الإعلام في الحركة، نور الدائم طه، لـ"العين الإخبارية" إن "وقف الحرب يتم من خلال مخاطبة جذور المشكلة السودانية ومعالجة آثارها"، موضحاً أن "الحركات رفعت السلاح في دارفور من أجل إنهاء الهيمنة المركزية على السودان وموارده وإقامة دولة المواطنة والديمقراطية".
وأضاف: "نعتقد أي محاولة للحلول الجزئية لأزمات البلاد ستكرر تجارب الماضي ويعيد إنتاج الأزمة من جديد لذلك لا يوجد ديمقراطية دون سلام ولا سلام بدون بيئة ديمقراطية".
ودعا طه جميع القوى السياسية لعدم إهدار الفرصة التاريخية وإعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الحزبية الضيقة بتحقيق تطلعات الشعب السوداني في السلام عبر توقيع اتفاق شامل مع الأطراف المتحاربة يخاطب خصوصيات الأقاليم المختلفة ووضع ترتيبات تؤسس لمرحلة انتقالية ناجحة ومستقرة.
وشدد طه على أن الحركات المسلحة في دارفور جزء أصيل من ثورة 19 ديسمبر/كانون الأول لأنها تمثل تراكما تاريخيا لنضالات الشعوب السودانية ضد هيمنة المركز على الدولة السودانية.
وفي سياق متصل، أكد المحلل السياسي المختص في الشأن الدارفوري عبدالله آدم خاطر أن غياب الحركات المتمردة من طاولة المفاوضات حاليا لا يعني تجاوزها في المستقبل السياسي، مشيراً إلى أن "السلام هو أحد أهم شعارات الثورة السودانية".
وقال خاطر لـ"العين الاخبارية" إن هناك اتجاها ينادي بتقسيم الفترة الانتقالية لمرحلتين، المرحلة الأولى تخصص لمخاطبة الحركات المتمردة والجلوس معها لتحقيق السلام وتمهيد الطريق أمامها لتكون جزءاً من العملية السياسية في الفترة الانتقالية الثانية التي ترتب لإجراء انتخابات عامة.
وأضاف أن "هذه رؤية محل تفكير المجتمع السياسي السوداني حكومة ومعارضة".
وأوضح خاطر أن "المرحلة الحالية لا تطلب وسيطا للتفاوض مع المتمردين ويمكن أن يتم التواصل معهم مباشرة بينما المجتمع الإقليمي والدولي سيقوم بدور المسهل للعملية".
aXA6IDE4LjIxNy4xMTguNyA= جزيرة ام اند امز