السودان بيومه الـ45.. هدنة في أنفاسها الأخيرة تنتظر أكسجين الإنعاش
مع دخول وقف إطلاق النار في السودان سباق الأمتار الأخيرة، ولت الأنظار وجهها شطر الجيش السوداني لاستجلاء موقفه من تجديد الهدنة، بعد ضوء أخضر من قوات الدعم السريع.
وينتهي اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في التاسعة وخمس وأربعين دقيقة بتوقيت الخرطوم مساء اليوم.
وفي محاولة لتمديد اتفاق الهدنة الذي أدى إلى توقف القتال العنيف، دون الاشتباكات المتفرقة والضربات الجوية، دعت السعودية والولايات المتحدة يوم الأحد إلى تمديد اتفاق وقف إطلاق النار.
ودعا الوسيطان، في بيان مشترك، الجيش السوداني إلى "وقف القصف الجوي" وقوات الدعم السريع إلى مغادرة المناطق السكنية، إذ إن ذلك "يسهل تقديم المساعدة التي يحتاج اليها السودانيون بشدة".
وأبدت قوات الدعم السريع عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" استعدادها للتفاوض على تمديد وقف إطلاق النار، مؤكدة اعتماد ذلك على "صدق والتزام الطرف الآخر (الجيش) بتمديد الاتفاق من عدمه".
إلا أن الجيش السوداني لم يرد ولم يبد استعداده لدعمه تمديد وقف إطلاق النار، رغم دخول الاتفاق الرمق الأخير، مكتفيًا ببيانات كال فيها الاتهامات إلى قوات الدعم السريع بانتهاك اتفاق جدة.
وفيما توقفت قوات الدعم السريع طيلة الساعات الأربع وعشرين الماضية عن نشر بيانات عن تطورات الأوضاع الميدانية، كانت صفحات الجيش السوداني الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي تعمل على مدار الساعة.
فمن إعلانه ضبط مركبتين لاند كروزر بلوحات سودانية تحملان ذخيرة ومتفجرات وقناصة بمرسى دُبه سالم، مرورا بنفيه بيانا منسوبا لرئيس مجلس السيادة بإلغاء اتفاق جوبا للسلام، إلى نشره صورا وبيانات تفيد بترحيب شعبي لعناصره في مناطق مختلفة، أخبار امتلأت بها صفحات الجيش عبر مواقع التواصل الاجتماعي طيلة الساعات الأربع وعشرين الماضية.
تواصل العنف
سُمعت أصوات طلقات نارية في العاصمة السودانية الأحد، فيما قال أحد سكان الخرطوم لوكالة "فرانس برس": "نسمع إطلاق نار في جنوب المدينة".
ومع تواصل العنف يخشى محللون تجدد الحرب الأهلية في دارفور (غرب)، خصوصا بعد دعوة حاكم الإقليم مني مناوي المواطنين إلى حمل السلاح.
وكتب مناوي على حسابه على موقع تويتر الأحد "أدعو مواطنينا الكرام جميعا، أهل دارفور شيبا وشبابا، نساء ورجالا، إلى حمل السلاح لحماية ممتلكاتهم"، مشيرًا إلى أن "الاعتداءات على المواطنين تضاعفت وكثيرون لا يرغبون في سلامة وحقوق المواطنين ويتعمدون تخريب المؤسسات القومية"، مضيفا "ونحن حركات الكفاح سنساندهم في جميع حالات الدفاع".
وفيما أشارت الأمم المتحدة إلى انضمام بعض المدنيين والمسلحين القبليين والمتمردين إلى النزاع الحالي، حذّر حزب الأمة القومي، أحد الأحزاب المدنية الرئيسية في السودان، في بيان الأحد من "الدعوات الداعية لتسليح المواطنين بحجة حماية أنفسهم" باعتبارها "محاولات لجر البلاد للحرب الأهلية".
وحسب بيانات مشروع مسح الأسلحة الصغيرة (SAS)، فإنه توجد أسلحة لدى 6,6% من سكان السودان البالغ عددهم نحو 45 مليون نسمة.
ودعت وزارة الدفاع جنود الاحتياط والمتقاعدين من الجيش إلى التسلح، في دعوة وصفتها قوات الدعم السريع بأنها "قرار خطير" واتهمت الجيش بشن مزيد من الضربات الجوية في انتهاك للهدنة.
ورأت الناشطة السودانية رجاء مكاوي أن هناك "أشخاصا ينتمون إلى حركات غير عنيفة يفكرون الآن في حمل السلاح لحماية أنفسهم".
وقال الاتحاد الأفريقي الأحد، في بيان حول الوضع في السودان، إنه "تبنى خريطة طريق" تنص على "وقف الأعمال العدائية.. واستئناف الانتقال إلى حكومة ديمقراطية يقودها مدنيون".
أوضاع مأساوية
ووسط تخوفات من تطورات الأوضاع في السودان، اجتاز أكثر من 300 ألف شخص حدود ثالث أكبر بلد أفريقي منذ اندلاع القتال، واتجهت الأعداد الأكبر شمالا من الخرطوم إلى مصر أو غربا من دارفور إلى تشاد.
وطالت عمليات النهب والتدمير مصانع ومكاتب ومنازل وبنوكا في الخرطوم، وكثيرا ما تشهد العاصمة السودانية انقطاع الكهرباء والمياه والاتصالات، كما تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية وكذلك نفاد الإمدادات الغذائية.
سامية سليمان (29 عاما)، موظفة بشركة خاصة ومن سكان الخرطوم، قات لـ"رويترز" وهي في طريقها إلى مصر: "نحن في طريقنا عبر البر إلى (..) مصر خرجنا بسبب الحرب، لا يوجد علاج مع تدهور الكهرباء وشبكات الهاتف. لدي أطفال أخشى عليهم من عدم وجود العلاج، أيضا أريد فرص في المدارس لأطفالي، لا أعتقد أن الأوضاع سوف تعود قريبا في الخرطوم".
وتقول الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة إنه رغم الهدنة فإنها تكابد للحصول على موافقات وضمانات أمنية لتوصيل المساعدات وفرق الإغاثة إلى الخرطوم وغيرها من الأماكن التي تحتاج إليها، مشيرة إلى أن مستودعات تعرضت للنهب.
شحنات أدوية
وزعمت وزارة الصحة (ولاية الخرطوم)، في بيان صادر عنها، أن قوات الجيش صادرت شحنات أدوية تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود المخصصة لمستشفى أمبدة، بما فيها أدوية متعلقة بالنساء والتوليد ووجبات أطفال والأنسولين.
ونقلت وزارة الصحة عن الطبيب بمستشفى أمبدة النموذجي د.علي قوله إن قوات من الجيش صادرت شحنات من الأدوية قادمة من منظمة أطباء بلا حدود إسبانيا، إلى مستشفى أمبدة، مضيفا أن القوة أخذت دواء مستشفى أمبدة وأمرت بإدخاله إلى سلاح المدرعات، واقتادت قوة من الاستخبارات العسكرية الأطباء والسائقين.
واندلع القتال في عدة أجزاء بإقليم دارفور، الذي كان يعاني بالفعل من ويلات الصراع والنزوح، مع تسجيل سقوط مئات القتلى في الجنينة بالقرب من الحدود مع تشاد، كما اندلع -أيضا- في الأيام الأخيرة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وسجل مستشفى في الفاشر ثلاث وفيات و26 إصابة يوم السبت بينهم أطفال، بحسب هيئة محامي دارفور، وهي منظمة حقوقية، أضافت أن هناك كثيرين في عداد المفقودين.
وعلى مستوى السودان، قالت وزارة الصحة إن القتال أسفر عن مقتل 730 على الأقل، إلا أنه مع ذلك فإن العدد الحقيقي من المرجح أن يكون أعلى بكثير.
وبحسب بيانات موقع النزاعات المسلحة ووقائعها (أيه سي إل إي دي) بلغت حصيلة القتلى منذ اندلاع المعارك 1800 شخص، سقط معظمهم في العاصمة وفي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.