كيف يقاتل إخوان السودان في صفوف الجيش؟
من هم المقاتلون المتطوعون بصفوف الجيش السوداني؟ هل هم فعلا من النظام الإخواني السابق؟ ولماذا يتخوف كثيرون من ظهورهم؟
استفهامات عديدة ترفع منسوب الضبابية حول حقيقة وجود الآلاف من أعضاء النظام السابق في عهد عمر البشير، يقاتلون إلى جانب الجيش في الصراع السوداني، ما يُعقد جهود إنهاء إراقة الدماء التي تسيل منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي.
ومما منح التقارير المتداولة مصداقية أكبر، تصريحات أدلت بها مصادر عسكرية، قبل أشهر لوكالة رويترز، قالت فيها إن الآلاف ممن عملوا في جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني في عهد الرئيس السابق عمر البشير، يقاتلون إلى جانب الجيش.
تصريحات تحظى بدورها بتأكيد في تقرير طالعته "العين الإخبارية" في "بي بي سي" البريطانية، اليوم الثلاثاء.، استعرضت فيه هوية المقاتلين المتطوعين بجانب الجيش. ماذا يفعلون؟ ولماذا يتخوف كثيرون من ظهورهم؟
وينفى الجيش منذ فترة طويلة اتهامات خصومه في قوات الدعم السريع بأنه يعتمد على الموالين للبشير الذين فقدوا مصداقيتهم.
شهادات
"حتى الآن تدربت على استخدام سبعة أنواع من الأسلحة في أحد معسكرات الجيش السوداني. أنتظر دوري للانخراط في الحرب، لأنال شرف الدفاع عن هذا البلد"، هكذا قال الشاذلي عطا، وهو سوداني من ولاية كسلا شرقي البلاد، في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي.
ينتمي الشاذلي للحركة الإسلامية السودانية (إخوانية)، وقد تطوع بالانضمام للجيش، من أجل مواجهة قوات الدعم السريع، حيث نشب القتال بين الطرفين في منتصف أبريل/ نيسان الماضي.
وبمجرد اندلاع القتال أعلن الجيش حالة الاستنفار. فهبَّ الإخوان لنصرته، وكثفت قيادات في نظام الرئيس المعزول عمر البشير جهودها، لاستنفار من يُسَمَّون بـ"المجاهدين".
كما انضم الآلاف من أبناء الحركة للجيش في الأسابيع الأخيرة بحسب الشهادات التي جمعتها بي بي سي.
لكن الجيش السوداني ينفي أن يكون الإخوان طرفا فاعلا في القتال، كما يستنكر اتهام بعضهم له بالتحول لحاضنة للمقاتلين الإخوان.
ويقول الشاذلي: "بمجرد عودتي من عملي في وقت الظهيرة، أنضم يوميا للمعسكر كي أتدرب على استخدام الأسلحة والمهارات القتالية. أقضي باقي النهار هناك، وأعود إلى منزلي مع غروب الشمس".
وقد انضم إلى معسكر السواقي الجنوبية في مدينة كسلا شرقي السودان، التي كانت واحدة من أول وأبرز المناطق التي شهدت استنفار مئات المتطوعين لمساندة الجيش.
ويربط مراقبون بين هذا الاستنفار وبين تحركات تزعمتها قيادات في نظام الرئيس السابق عمر البشير.
وقبل انضمامه للمعسكر، حضر عطا أحد هذه اللقاءات التي نظمها القيادي في النظام السابق أحمد هارون.
أحمد هارون، هو أحد أبرز وجوه النظام السابق، ومطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، وهو أحد أكثر القيادات نشاطا في حشد المقاتلين من شرقي السودان، وفقا لشهادات جمعتها بي بي سي.
وغادر هارون سجنه مع بداية القتال في أبريل/ نيسان الماضي، حيث كان محبوسا بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
"مولانا أحمد هارون أراد أن يشارك في الحرب مع الجيش كسوداني، وأراد أن يحشد أعضاء الحركة الإسلامية باعتبارهم جزءا من الشعب. وهذا موقف يحسب له"، هكذا يقول الشاذلي.
انتقد محامون وناشطون مدنيون هذه التحركات لهارون، وطالبوا النيابة بالقبض عليه، باعتباره "هاربا من السجن". لكن النيابة السودانية ألغت مذكرة توقيف هارون بعد أيام من صدورها، دون سبب واضح.
ويستنكر عطا هذا الهجوم على هارون. ويراه محاولة لإضعاف موقف الجيش وتركه دون ظهير شعبي. ويقول إن هذه المحاولات لن تعطل دعمهم للجيش، " الإسلاميون قدموا خيرة كتائبهم وأعضائهم للانضمام لهذه الحرب. مولانا أحمد هارون سوداني ولا يستطيع أحد أن يحجم دوره، وأنا كسوداني لا يقدر أي شخص أو قوة على تحجيم دوري، ولو كان الجيش نفسه".
لم تشهد كسلا معارك بعد، لكن عطا يرى أن ما يصفه بـ"التمرد" يجب قمعه في الخرطوم، حيث يتركز القتال بيت الطرفين، حتى لا يتمدد للولايات الآمنة.
والكثير من زملاء عطا انتقلوا إلى الخرطوم للقتال بجانب الجيش، وهو في انتظار دوره ليلحق بهم.
17 ألف شخص، هو عدد الدفعة الأولى من المتطوعين في ولاية كسلا والذين أرسلوا إلى الخرطوم، وفقا لتقدير الشاذلي. ويضيف "عندما ترسل كل مدينة 700 مستنفر إلى الخرطوم، يصبح عدد المتطوعين في العاصمة كبيرا جدا".
بسلاح الجيش
في بداية يوليو/ تموز الماضي، هجمت قوات الدعم السريع على مقر قوات شرطية تسمى الاحتياطي المركزي غربي العاصمة، وتظهر المقاطع أن الجيش والشرطة ومجموعات من المقاتلين الإخوان اشتركوا في الدفاع عن مقر تلك القوات.
مصطفى، وهو اسم مستعار لطالب جامعي تحدث مع "بي بي سي" بشرط إخفاء هويته، شارك في تلك المعركة.
التحق بوحدة عسكرية قرب منزله في مدينة أم درمان إلى الغرب من الخرطوم. يقول "بعد شهر من بداية الحرب، أطلق القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان نداء ناشد الشباب فيه للانضمام. منذ ذلك الوقت صرت أنا وزملائي جزءا من الجيش، واشتركت في عدة معارك في أم درمان".
لم يحتج مصطفى إلى تدريب يذكر، فقد أنهى تدريبا إلزاميا يحصل عليه الطلاب بعد المرحلة التعليمية الثانوية قبل الحرب بوقت قصير. وسرعان ما شارك في القتال الدائر في العاصمة.
وفقا لمصطفى، يمثل الإخوان 30 % تقريبا من المُستنفرين، وهم أبرز الكيانات المتطوعة. لكنه ينفى أن يكون لهم قوات خاصة "عندما ينضم أنصار البشير يكونون جزءا من قوات الجيش، ويتحركون تحت إمرته، فهم ليسوا قوات مستقلة".
ويضيف مصطفى: "في غير وقت القتال، أقضي يومي كاملا في المعسكر. نقوم بأنشطة كثيرة، منها التدرب ودراسة القرآن والسيرة النبوية".
وتظهر مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي ظهور عدد من القيادات الإخوانية داخل معسكرات الجيش، حيث ألقوا خطبا تحث المقاتلين على مواصلة "الجهاد".
كتائب كاملة
تظهر المقاطع التي نُشرت بعد معركة الاحتياطي المركزي دورا بارزا لما تسمى بكتيبة" البراء بن مالك".
تسلمت هذه المجموعة تسليحها منذ اليوم الأول للقتال. وتظهر مقاطع مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ووثقتها بي بي سي، استخدام الكتيبة طائرات مسيرة عادة ما تكون بحوزة الجيوش.
تاريخيا، كانت الكتيبة جزءا من قوات شبه مستقلة عرفت باسم الدفاع الشعبي، وارتبطت تلك القوات بشكل وثيق بالحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المنحل.
ويقود الكتيبة شخص يدعى المصباح أبو زيد، ويصف نفسه على فيسبوك بأنه صاحب شركة للأواني المنزلية.
قبل أيام، أعلن عن تحويل الكتيبة للواء، حيث تجاوز عدد مقاتليها عشرين ألف مقاتل، على حد زعمه.
عناصر مخابراتية سابقة
في الأيام التالية لمعركة الاحتياطي المركزي، احتفى بعضهم بمشاركة مجموعة تسمى هيئة العمليات.
ولطالما اتهمت الهيئة بكونها الذراع الباطشة لجهاز الأمن والمخابرات في عهد البشير. تم حلها عام 2020 إثر ما بدا تمردا قاده بعض أفرادها ضد الجيش وقوات الدعم السريع.
وينفي الشاذلي ومصطفى أن يكون الإخوان وحدهم المتطوعين في صفوف الجيش.
ويصر الشاذلي على أن المتطوعين يتجردون من انتماءاتهم السياسية عند تطوعهم في المعسكرات، لكنه يؤكد في الوقت نفسه على وجود أصحاب التوجهات المختلفة.
أما هشام، وهو أحد أعضاء لجان المقاومة التي عرفت بدورها البارز في تنظيم التظاهرات ضد الحكم العسكري في السودان، فهو أيضا مناهض لما يعتبره "انقلابا" قام به الجيش عام 2021 على الحكومة المدنية الانتقالية آنذاك.
وفي بداية الحرب، دأب هشام على التطوع لرعاية المرضى وقضاء حوائج كبار السن في منطقته. لكنه انضم لاحقا لصفوف القوات المسلحة.
"تدربت لمدة شهرين قبل أن أنخرط في القتال. شاركت في معركة الاحتياطي المركزي، وكان دورنا الأساسي هو أن نؤمن الارتكازات الأمنية، وأن نحمي ظهر الجيش في المعارك. عادة لا نكون في الصفوف الأمامية، حيث تحتاج لجاهزية أعلى".
ولا يرى هشام تناقضا بين موقفه من الحكم العسكري وانضمامه لصفوف الجيش، قائلا "لم يكن لدينا مشكلة مع الجيش نفسه، مشكلتنا مع الحكم العسكري، ومطالبنا بإنهائه ما زالت مرفوعة. حتى لو مت في هذه الحرب، سيعود زملائي بعد انتهائها للمطالبة بإنهاء الحكم العسكري".
aXA6IDMuMTI4LjE3MS4xOTIg
جزيرة ام اند امز