يوميات الدم في الخرطوم.. حزام نار يطوق أكبر مصفاة نفط بالسودان
حزام نار يطوق مصفاة النفط الرئيسية بمنطقة الجيلي شمال الخرطوم، وسط مناوشات متقطعة ترفع منسوب التوتر بالعاصمة السودانية.
يوميات نار ودم وقتل ودمار تغرق البلاد في إحداثيات قاتمة، مع تفاقم الخسائر البشرية والاقتصادية وما يترتب عليهما من معاناة إنسانية بالغة التعقيد تقود البلاد نحو المجهول.
وأفادت مصادر عسكرية "العين الإخبارية"، بأن قوات "الدعم السريع"، توجد، اليوم الثلاثاء، شمال "مصفاة الجيلي"، نحو مدينة شندي بولاية النيل (شمال)، بينما عزز الجيش قواته جنوب مدينة شندي.
ووفق المصادر العسكرية، فإن المدفعية الثقيلة التي انطلقت من قاعدة "وادي سيدنا" العسكرية قصفت أهدافا عسكرية داخل "مصفاة الجيلي" شمال مدينة بحري.
كما اندلعت مناوشات متقطعة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في أحياء أم درمان غربي العاصمة الخرطوم.
ومصفاة الجيلي تعد الأكبر في السودان وتنتج نحو 100 ألف برميل يوميا وتلبي معظم احتياجات البلاد من النفط المكرر، ويتم تصدير الفائض منها عبر ميناء على البحر الأحمر عبر خط أنابيب بطول 1610 كيلومتر.
معاناة مستمرة
مع تصاعد وتيرة العنف والقتال، أفاد شهود عيان لـ"العين الإخبارية"، بأن سوء الأوضاع المعيشية في مدن الخرطوم بلغت ذروته إثر نقص الغذاء والدواء والكهرباء والمياه.
وبحسب المتحدث الرسمي باسم غرفة طوارئ جنوب الحزام، محمد عبد الله محمد إدريس، فإن أعدادا كبيرة من سكان المنطقة غادرت بشكل نهائي، ومن تبقى ينوي الرحيل، بسبب الأوضاع الاقتصادية وانعدام الخدمات بصورة أساسية.
وأوضح إدريس في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن أسباب المغادرة النهائية للمواطنين تعود إلى الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية، وانعدام الدخل المادي، وتردي الخدمات في الكهرباء والمياه والاتصالات.
وأشار إلى أن الوضع الأمني متدهور للغاية، معتبرا أنه مسألة حاسمة للمغادرة النهائية للمواطنين هربا من الموت والدمار.
من جانبها، تقول المواطنة إيثار عبد الكريم، إن الأوضاع الأمنية والمعيشية في مدن العاصمة الخرطوم تدهورت للغاية، بسبب انقطاع الكهرباء والمياه، وخروج المستشفيات عن الخدمة وانعدام الأدوية المنقذة للحياة.
وأضافت إيثار في حديثها لـ"العين الإخبارية"، أن "الوضع كارثي ويتطلب التدخل العاجل لإنقاذ من تبقى من المواطنين الذين تحاصرهم نيران الحرب ولسعات الجوع".
موجة نزوح جديدة
تجددت الاشتباكات، اليوم الثلاثاء، في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، ارتفعت موجة النزوح إلى منطقة "طويلة" نحو 60 كيلومترا غربي المدينة.
وتسببت المعارك التي تدور منذ حوالي شهر تقريبا بين الجيش والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، مع قوات "الدعم السريع" في مقتل وإصابة المئات وموجة نزوح واسعة أسفرت خلال الفترة من 24 مايو/ أيار الماضي وحتى الثالث من يونيو/ حزيران الجاري الحالي عن حوالي 28 ألف نازح.
وقال المتحدث الرسمي باسم المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين بدارفور، آدم رجال، في تصريحات إعلامية، إن آلاف النازحين الفارين من المعارك الدائرة بمدينة الفَاشِر وصلوا إلى منطقة "طويلة" والقرى المحيطة بها غربي الفاشر.
وحسب الأمم المتحدة، فإن نحو 800 ألف مدني بالفاشر تتعرض حياتهم للخطر بسبب القتال الدائر.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، اليوم، إن 6 أطفال على الأقل لقوا حتفهم في الفاشر منذ يوم الجمعة الماضية بعد اشتداد القتال في المدينة.
وصول مواد الإغاثة
مع تفاقم الأزمة الإنسانية، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اليوم، وصول 3 شاحنات تحمل مواد الإغاثة الأساسية إلى شمال دارفور عبر الحدود مع تشاد المجاورة، بعد أسابيع من الانتظار.
وذكرت مفوضية اللاجئين في صفحتها الرسمية على منصة "إكس"، أنها ستبدأ مباشرة مع شركائها في توزيع المساعدات الإنسانية على ألف و140 أسرة محتاجة في محليتي "أَم برو" و"كرنوي"، شمالي ولاية شمال دارفور .
واعتبرت المفوضية أن الحدود مع الجارة تشاد حيوية للمتضررين بدارفور، وحذرت مما أسمته استمرار تضاؤل الاهتمام العالمي بالأزمة بالسودان.
وتابعت بالقول: "لا يمكن تجاهل هذه الأزمة لتصبح حالة أخرى من حالات الطوارئ المنسية."
وفي 21 مايو/ أيار الماضي، قالت وزارة الصحة في ولاية شمال دارفور إن عدد القتلى في الفاشر بلغ 345 قتيلا، بالإضافة إلى 2626 مصابا منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في أبريل/ نيسان 2023.
وتقع مدينة الفاشر في غرب السودان على ارتفاع 700 متر (2296 قدما) فوق سطح البحر على مسافة 802 كيلومتر غرب العاصمة الخرطوم، و195 كيلومترا عن مدينة نيالا باتجاه الشمال الشرقي.
أزمة إنسانية كارثية
خلفت الحرب الدائرة في السودان أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس لتناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار في دارفور، لعدم توفر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.
وأُنشئت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.
ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.