أزمة السودان.. هل يدفع «التصعيد الكارثي» طرفي النزاع للتفاوض؟
لا صوت يعلو فوق صوت وغبار المعارك في أجزاء واسعة من الأراضي السودانية، مع تفاقم الخسائر البشرية والمادية، والمنطق الطبيعي يحتم على طرفي النزاع العودة إلى طاولة التفاوض لوقف النزيف اليومي.
وتزايدت دعوات أممية ودولية إلى تجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت؛ جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 12 ولاية من أصل 18 في البلاد.
- «سنجة» بقبضة «الدعم السريع».. ماذا يحدث في سنار السودانية؟
- رصاص فرقاء السودان «يتجاهل» دعوة أممية للتفاوض
وكان أبرز الداعين نحو الحل السلمي للأزمة عبر التفاوض، دولة الإمارات التي أكدت مرارا وتكرارا على ضرورة تشكيل حكومة مدنية تمثل جميع السودانيين، ودعوة جميع الأطراف المتحاربة المعنية للمشاركة في محادثات جدة.
وذكرت دولة الإمارات في بيان مؤخرا، أن "استمرار العنف في السودان يؤكد أن لا أحد من الأطراف المتحاربة يمثل الشعب السوداني. فلا يوجد حل عسكري لهذا النزاع ويحب لهذه الحرب أن تنتهي".
وأضاف البيان: "إننا نحث الأطراف المتحاربة على وقف القتال فورا، وإلقاء أسلحتهم، والانضمام إلى عملية محادثات جدة، والتفاوض من أجل تمهيد الطريق نحو حكومة تمثل الشعب السوداني بقيادة مدنية".
وسبق وأن استضافت مدينة جدة محادثات برعاية سعودية أمريكية، في 11 مايو/ أيار 2023، أسفرت عن أول اتفاق طرفي الحرب على الالتزام بحماية المدنيين.
وأفلح منبر جدة إعلان أكثر من هدنة، تخللتها خروقات عديدة وتبادل للاتهامات؛ ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات في ديسمبر/كانون الأول 2023.
غياب منطق التفاوض
يقول الكاتب والمحلل السياسي، يوسف حمد، "إذا اعتمدنا على المنطق الطبيعي فإن جميع المؤشرات تدفع الطرفين للمسارعة إلى التفاوض، لكن مع غياب هذا المنطق منذ بدء الحرب في أبريل/نيسان 2023 فلا يمكن الجزم بشيء."
وأوضح حمد في حديثه لـ"العين الإخبارية": "كانت التحليلات الأولى تخمن أن الجيش السوداني لن يتحمس للتفاوض ليرد بها اعتباره، وبناء على ذلك يفاوض من منطلق قوة، ولو قليلة، لكن دائما ما يتفوق الدعم السريع بانتصارات متتالية، وهي انتصارات لم يصفق لها أحد".
وأضاف: "باستصحاب كل ذلك يمكن أن ينطرح السؤال: في هذا الواقع، هل لا يزال الدعم السريع متحمسا للتفاوض مثلما كان عليه الأمر في المرات السابقة؟."
من جانبه يقول الكاتب والمحلل السياسي، الطاهر أبو بكر، إن الفرصة مواتية لوقف إطلاق النار، والعودة إلى التفاوض والعودة إلى الحكم المدني الديمقراطي واستعادة المسار المدني الديمقراطي.
وأوضح أبو بكر في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "حان الوقت لوقف الحرب والدمار فتح الممرات الإنسانية الآمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين، والعودة إلى الحكم المدني الديمقراطي."
وأضاف، "السودان على وشك الانهيار والانزلاق نحو المجهول، والمجتمع الإقليمي والدولي، يجب أن يضغط على طرفي النزاع لوقف الحرب فورا والعودة إلى طاولة المفاوضات."
تحقيق المكاسب العسكرية
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، الهضيبي يس، "تظل مسألة التفاوض في الوقت الراهن على أقل تقدير بين طرفي النزاع المسلح في السودان رهينة بتطورات الأوضاع على الأرض نفسها، وهو ما يسعى إليه كل طرف لتحقيق قدر أكبر من المكاسب العسكرية، ما ينعكس على تعزيز موقف أحد الأطراف حال عادت عجلة التفاوض للدوران من جديد."
وأضاف يس في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "لذلك نلاحظ أن الطرفين يسعيان إلى فرض كل منهما واقع جديد والتمدد بصورة عسكرية على الأرض بهدف التأكيد للعالم القدرة في بسط السيطرة، وأنها واقع ماثل بضرورة التعامل معه متى ما توفرت فرصة لحل أزمة الحرب في السودان."
وتابع: "عليه فإن مسألة العودة إلى منبر جدة مرتبط كذلك أيضا بطبيعة مشروع كل طرف والإجابة على تساؤلات جوهرية أهمها هل قضية التوصل لاتفاق عبر التفاوض أمر استراتيجي أم تكتيك عسكري بالنسبة لطرفي النزاع في السودان؟."
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، أحد أفقر بلدان العالم، يشهد "واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم".
ويعاني 18 مليون سوداني، من بين إجمالي السكان البالغ عددهم 48 مليونا، من نقص حاد في الغذاء.
وبات مئات الآلاف من النساء والأطفال معرضين للموت جوعا، في أزمات يشعر العاملون في المجال الإغاثي بالعجز حيالها بسبب رفض منحهم تأشيرات دخول وفرض رسوم جمركية باهظة على المواد الغذائية، إضافة إلى نهب المخازن وصعوبة الوصول إلى العالقين قرب جبهات القتال.
وانهار النظام الصحي بشكل شبه كامل في السودان. وتقدّر الخرطوم الخسائر في هذا القطاع بقرابة 11 مليار دولار.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.