تعليق محادثات جدة.. «غيوم» السودان تتراكم
مفاوضات جدة تتعثر مع تصاعد وتيرة المعارك بالسودان في خطوة يخشى خبراء أن تراكم الغيوم في سماء بلد تطوقه أزمة مستفحلة منذ أشهر.
ومع تصاعد وتيرة الاقتتال العنيف بالسودان، علقت الوساطة السعودية - الأمريكية، الجولة الثانية من المفاوضات بين الجيش وقوات "الدعم السريع" بمدينة جدة السعودية.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، يشهد السودان حربا بين الجيش و"الدعم السريع" خلَّفت أكثر من 9 آلاف قتيل، فضلا عما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، وفق الأمم المتحدة.
وأبلغت مصادر دبلوماسية "العين الإخبارية"، أن الوساطة الأمريكية – السعودية، قررت الأحد الماضي، تعليق الجولة الحالية من المفاوضات إلى أجل غير مُسمى، على أن يغادر الوفدان لإجراء مشاورات مع القيادة، بعد إخفاق الأطراف في تنفيذ إجراءات بناء الثقة وإنهاء الوجود العسكري بالمدن الرئيسية.
«عدم توفر الإرادة»
يعتبر رئيس حزب الأمة القومي بالسودان، فضل الله برمة ناصر، أن انهيار مفاوضات جدة يشكَّل "خيبة أمل" للشعب السوداني.
وقال ناصر في بيان تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه، إن "التصعيد الإعلامي والخطابات غير الحكيمة يشيران إلى عدم توفر الإرادة السياسية لدى طرفي الحرب لتنفيذ ما اتفق عليه في الجولات السابقة والوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار".
وأضاف أن "الحزب يحمل الطرف المتشدد مسؤولية فشل المفاوضات"، محذرا من أن التصريحات غير المسؤولة وتوزيع الاتهامات والتنصل عن المسؤوليات، يؤكد عدم توفر هذه الإرادة للوصول إلى اتفاق".
وناشد ناصر، الطرفين ضرورة الالتزام بتعهداتهما واستشعار المسؤولية الوطنية والعمل الجاد على إنجاح العملية التفاوضية في جدة للوصول لسلام حقيقي.
كما دعا جميع القوى الوطنية لتوحيد جهودها في مواجهة الداعين لاستمرار الحرب، ودعم الجهود المبذولة في منبر جدة التفاوضي، الذي بذل فيه الوسطاء كل ما في وسعهم من دعم لمساعدة الطرفين للوصول إلى اتفاق.
«مخيبة للآمال»
من جهته، قال وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني السابق، خالد عمر يوسف، إن الأنباء الواردة من جدة بتعليق المفاوضات "مُخيبة للآمال لقطاع عريض من السودانيين والسودانيات الذين فتكت هذه الحرب بحياتهم وأحالتها جحيما".
وأوضح يوسف في بيان تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه أن "تعليق المفاوضات يعني تصاعد العمليات العسكرية مرة أخرى، وسقوط مزيد من الضحايا واستمرار الكارثة التي يعيشها ملايين اللاجئين والنازحين وهذه المأساة يتحملها من يعيقون الوصول لحل سلمي وهم من يتحملون كل قطرة دم تُسكب."
وشدد يوسف على أنه "لا مخرج من هذه الكارثة إلا بالحلول السلمية التفاوضية، وكلما طال زمن الحرب فقدنا أكثر وتعقد الواقع بصورة أكبر."
سلطة مدنية ديمقراطية
بدوره، رأى طه عثمان إسحاق، القيادي بقوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم السابق) بالسودان، أن وقف الحرب ليس بالأمر الصعب، لكنه يحتاج لقرارات شجاعة من كل الأطراف.
وقال إسحاق، في بيان تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه إنه "ليس من الصعب الوصول لوقف الحرب والاتفاق بين القوات المسلحة والدعم السريع والقوى المدنية الديمقراطية الرافضة للحرب على تأسيس جيش مهني قومي واحد يخضع لسلطة مدنية ديمقراطية كاملة."
ولفت إلى أنه "في الأيام الماضية وعقب أن استبشر الناس خيرا بقرب التوصل لاتفاق وقف عدائيات في جدة يفتح الباب أمام حل سلمي، فوجئ ملايين السودانيين بخطابات قائد الجيش ومساعده (ياسر العطا) التي استجابت لابتزاز عناصر النظام السابق الذين قاموا بـالتجييش ضد منبر جدة وضد الحل السياسي السلمي."
وأضاف أن "هذا الأمر يجعلنا أمام سعي للإجابة على سؤال جوهري: هل بإمكان الجيش أن يتخلص من تأثير عناصر النظام السابق، وتفكيكها داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية؟ وهل تستطيع قيادة الجيش الانحياز الفعلي لخيار السلام ووقف الحرب ومواجهة أجندة المؤتمر الوطني (الحاكم السابق) عوضا عن الاستجابة لها؟."
ضربة موجعة
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، السر عبد العزيز، إن انهيار المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" كان "بمثابة ضربة مؤلمة لأحلام السودانيين الذين يرغبون في السلام والأمن والاستقرار".
وأضاف عبد العزيز لـ"العين الإخبارية"، أن "تعليق المفاوضات يعني استمرار بالحرب بصورة أكثر وحشية، ومضاعفة معاناة السودانيين المشردين داخليا وخارجيا".
أما الكاتب والمحلل السياسي عباس عبد الرحمن، فاعتبر أن تعليق المفاوضات يمثل "خيبة أمل كبيرة لملايين السودانيين الذين يحلمون بالسلام والاستقرار".
وأشار عبد الرحمن في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "تعليق المفاوضات يصب الزيت على نار الحرب، ويوسع نطاقها لتشمل أطراف بعيدة كانت آمنة ومستقرة".
وحذر من أن "استمرار الحرب يعني مزيدا من المعاناة والتشرد، ونقص الأنفس والثمرات"، داعيا الوساطة إلى "تكثيف جهودها لاستئناف التفاوض مرة أخرى للوصول إلى السلام في السودان."
أجندة التفاوض
في تصريحات سابقة، أبلغت مصادر دبلوماسية "العين الإخبارية" بأن الجولة الثانية من مفاوضات جدة، بدأت ببندين اثنين هما: المساعدات الإنسانية، وبناء الثقة بين الطرفين.
وأشارت المصادر إلى أنه منذ بداية الجولة، حاول وفد الجيش السوداني إغراق منبر جدة بعناصر تنتمي للنظام القديم، وهما السفير عمر صديق، والعميد في جهاز المخابرات العامة، صلاح المبارك، الذي يتولى إدارة العون الإنساني.
وحسب المصادر، فإن وفد الدعم السريع رفض بشكل قاطع وجود عمر صديق وصلاح المبارك، وتمسك بموقفه، ما أدى إلى تأخر انطلاق الجولة لمدة 3 أيام، بعدها اضطر وفد الجيش إلى إبعاد الشخصين وتجريدهما من منصبيهما والإبقاء عليهما خبيرين من خارج قاعة التفاوض.
وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقع الطرفان، وفقا للمصادر، على التزامات توصيل المساعدات الإنسانية وإجراءات بناء الثقة التي تشمل 4 بنود أساسية أهمها القبض على الإسلاميين الفارين من السجون ومشعلي الحرب.
وأكدت المصادر أن وفد الجيش السوداني التزم أمام المسهلين بتنفيذ إجراءات بناء الثقة، وتم تحديد مدة 10 أيام للقبض على المطلوبين، فيما سلم وفد الدعم السريع قائمة بأسماء المطلوب القبض عليهم في اليوم الثاني، لكن وفد الجيش طلب مهلة لمدة 5 أيام، دون تنفيذ أوامر القبض.
وأشارت المصادر إلى أن وفد الجيش السوداني طلب مُهلة إضافية، والاتفاق على تمديد الفترة إلى 10 أيام أخرى دون الالتزام بما تم الاتفاق عليه.
عرقلة وصول المساعدات
وفيما يتعلق بالشأن الإنساني، رفض وفد الجيش السوداني، حسب المصادر، دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من الحرب في ولايات دارفور والخرطوم وكردفان والنيل الأبيض.
كما رفض أيضا فتح مطارات نيالا والجنينة والفاشر (غربي السودان) للأغراض الإنسانية، وتمسك بإيصال المساعدات عبر مطار بورتسودان (شرقي السودان) فقط.
ووفقا للمصادر، فإن وفد الجيش السوداني طلب من منظمات أطباء بلا حدود والمنظمة الإيطالية والنرويجية وقف أعمالها في الخرطوم، ورفض منح تأشيرات العاملين في المجال الإنساني والطبي لمدة 30 يوما.
ولم تصدر عن الوساطة الأمريكية – السعودية أي توضيحات بشأن تعليق الجولة الثانية من المفاوضات.
وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت الرياض استئناف المحادثات بين طرفي النزاع في مدينة جدة برعاية سعودية أمريكية، لبحث الوصول لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات.
وكانت المفاوضات السابقة بين ممثلي الجيش و"الدعم السريع" في جدة أسفرت في مايو/أيار الماضي عن أول اتفاق بينهما حمل اسم "إعلان جدة"، وشمل التزامات إنسانية وشروطاً حاكمة تطبق فورًا، قبل أن تعلق المحادثات في يونيو/حزيران الماضي بسبب "الانتهاكات الجسيمة والمتكررة" لوقف إطلاق النار.