السوداني يعِد بإنقاذ العراق.. هل ينجح فيما فشل فيه غيره؟
تدخل حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أسبوعها الثاني عقب التصويت بنيل الثقة من قبل البرلمان، وقبول برنامجها الوزاري، الذي يشكل خارطة طريق لإدارة الدولة للمرحلة المقبلة.
ويواصل رئيس الوزراء بمعية أعضاء حكومته إطلاق العهود والوعود في تغيير واقع الحال، ووضع حلول للتحديات الراهنة والجوهرية في جوانب مختلفة، يتقدمها الجانب الخدماتي من طاقة وصحة وتربية؛ فضلاً عن مواجهة التعقيد الأكبر والأخطر وهو الفساد.
وبحسب مراقبين، فقد أهدر العراق أموالاً طائلة تتجاوز مئات المليارات في قضايا ومشاريع ظلت حتى الآن حبراً على ورق؛ دون وجود أي تغيير يوازي تلك الأرقام التي استنزفت خزينة البلاد، يقابلها صعود لقوى ذات أجنحة مسلحة تتحرك خارج إطار الدولة، وتمتلك في الوقت ذاته القدرة على التأثير في القرار السياسي والسيادي.ورغم الإصرار الذي يبديه السوداني في محاربة الفساد والتأسيس لبيئة مستقرة تضمن فرص العدالة الاجتماعية بتخليص آلاف الشباب من البطالة والفقر، إلا أن تلك التحديات -وفق المراقبين- تبدو أكبر من الإمكانية التي ولدت فيها الحكومة الحالية وظروف تشكلها.
"حزام" السوداني و"ظهر" الكاظمي
وكان رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، قد توعد خلال فترة توليه للمنصب الحكومي، والتي استمرت نحو 30 شهراً، بمواجهة القضايا المفصلية التي تهدد بقاء الدولة من بينها المليشيات والفساد وإجراء تحولات في السياسة الاقتصادية بإدارة وجهها من النظام الريعي إلى تعدد الموارد.
ومع ذلك لم ينته برنامج الكاظمي إلى تلبية الطموح وتحقيق الرضا الذي يوازي حجم الاحتجاجات الشعبية العارمة التي كانت سبباً في وصوله إلى القصر الحكومي، بديلاً عن عادل عبد المهدي، الذي اضطر لتقديم استقالته، استجابة لمطالب احتجاجات أكتوبر الغاضبة، في خريف عام 2019.
لكن ذلك لم ينزع عن حكومة الكاظمي بعض التغيرات الجوهرية التي تركت آثارها وعدت إنجازا لنهجه في إدارة الدولة، وخصوصاً في جانب العلاقات الخارجية والانفتاح على المحيط العربي والعالمي، دون إبقاء البلاد رهينة لأجندات إيران، يقول معلقون.
فيما يقع الاختلاف ما بين السابق والحالي، أن الأخير يمتلك غطاءً برلمانياً وينحدر من تحالف قوي له القدرة على تطويع المواقف والإرادات، خلاف الكاظمي الذي جاء ورحل بظهر مكشوف سياسي.
إلا أن ذلك الرصيد الذي يمتلكه السوداني قد سبباً ومدخلاً للإخفاق في مواجهة التحديات المعقدة التي تعصف بالبلاد، جراء النظام المحاصصاتي والتوافق الذي حمله إلى السلطة مما قد يعيد سيناريو الأمس في ضياع فرص الإنقاذ مجدداً.
السير في دائرة الإخفاق
يقول المحلل السياسي غازي فيصل، إن "المدخلات عادة ما تضع تصوراً لطبيعة المخرجات في أي معادلة أو تركيبة اشتغال وبالتالي فإن حكومة السوداني ووفقاً للمسار الذي ولدت منه ستبقى في دائرة الإخفاق الذي انتهت إليه الحكومات السابقة".
ويضيف غازي خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الائتلاف الذي ينحدر منه السوداني يشكل العقدة المميتة التي وضعت البلاد أمام الضياع والدمار وغياب الدولة وتفشي ظواهر السلاح المنفلت وقوى الظل، لذا فإنه ووفق الحكمة الشائعة فاقد الشيء لا يعطيه".
ويتابع بالقول: "إذا ما كانت هنالك إرادة وقوية من قبل السوداني في الخروج من عباءة التحالف الذي أوصله إلى القصر الحكومي بفتح ملفات الفساد الخطرة والعمل على تأسيس مباني الدولة، فإنه سيكون تحت مرمى نيران تلك القوى التي لن تتوانى في فعل أي شيء للحفاظ على مصالحها ومكتسباتها السياسية".
وكان السوداني قد ضمّن برنامجه الحكومي، عدداً من البنود التي تعهد من خلالها بمحاربة الفساد، وفق آليات سريعة أمدها 90 يوماً، فضلاً عن إجراء انتخابات مبكرة خلال عام.
حيال ذلك يرى المحلل السياسي، غالب الدعمي، أن " الأمر ليس دقيقاً وإنما الحديث يجري نحو تحقيق انتخابات محلية لمجالس المحافظات في أكتوبر/ تشرين أول 2023، كون جميع القوى السياسية المشكلة لتحالف إرادة الدولة ليس لديها الرغبة بتحقيق ذلك".
وكان تحالف "إرادة الدولة"، قد تشكل في أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ضم كلا من قوى "الإطار التنسيقي" و"تحالف السيادة" و"عزم" والحزب الديمقراطي الكردستاني، ودخل مجلس النواب لاحقاً وحصد الكتلة النيابية الأكبر التي انبثقت عنها حكومة السوداني.
ويضيف الدعمي خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الإطار سيكون المعرقل الأكبر في هذه الحكومة وأن الحديث عن إطلاق اليد للسوداني من قبل تلك القوى، حديث إعلام وبعيداً عن أرض الواقع".
وينوه الدعمي إلى أنه "إذا ما فشلت حكومة السوداني في تحقيق المعالجات المطلوبة وكسب الرضا الشعبي، سيكون ذلك بمثابة نهاية للإطار التنسيقي وتهشم قواعده الشعبية".