السوداني يتلمس خطى الكاظمي.. هل يجد "كلمة سر" عودة العراق لمحيطه العربي؟
مع مرور أكثر من شهرين على تشكيل حكومة محمد شياع السوداني التي جاءت بعد عام من أزمة سياسية مستعصية، تسارع الكابينة الحالية خطواتها نحو الدبلوماسية الخارجية.
وتأخذ بوصلة حكومة السوداني طريقها بتؤدة للاهتداء إلى علاقات طبيعية بالمحيطين الإقليمي والدولي، وفق خطوات تتسم بالبطء، بحسب مراقبين على اطلاع بالمشهد العراقي.
ويشكل الملف الخارجي للدولة العراقية ما بعد 2003، واحدا من أهم الموضوعات جدلاً وتنازعاً بين مختلف القوى السياسية، مما دفع البلاد لأن تكون أحيانا في عزلة عن محيطها العربي والخليجي لأكثر من 12 عاماً.
وتسجل المؤشرات الحقيقية الفاعلة لعودة العراق إلى امتداده الإقليمي والدولي مع أواخر عام 2016 إبان حكومة حيدر العبادي حين بدأت باسترجاع علاقاتها مع محيطها الخليجي عبر المملكة العربية السعودية.
وأسهمت الظروف التي عاشها العراق ما بعد سقوط نظام صدام حسين في فتح الباب على مصراعيه أمام إيران التي وجدت الوقت والمكان المناسب لتصدير أزماتها وخصوماتها الدولية عبر التدخل في القرار السياسي والسيادي في بغداد.
"ضياع البوصلة"
وبقيت البلاد حتى وقت قريب تعاني "ضياع البوصلة"، في توجيه مسارات علاقاتها الخارجية بعد "تفرعن" طهران في الداخل العراقي بتأسيس أذرع وكيانات وقوى نافذة ذات ولاء وقرابة مع إيران.
إلا أن ذلك لم يصمد أمام محاولات عراقة عمق العراق القومي والعربي، حتى عاد إلى حواضنه الطبيعية المتجذرة عبر التاريخ والجغرافيا، من خلال جهود وحراك لم يكن الشارع الاحتجاجي ببعيد عنه ومؤثر فيه رسم سياساته.
بيد أن الطفرة الأوسع في مجال العلاقات الخارجية، سجلت خلال حكومة مصطفى الكاظمي حيث شهدت البلاد حراكا دبلوماسيا كبيرا نحو فضاءات دولية وإقليمية متعددة فضلاً عن أبواب ظلت حتى زمن قريب موصدة أمام العراق.وبدت العلاقات مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في أفضل حالاتها وأسرع نمواً وتطوراً في مجالات شتى تنوعت ما بين اتفاقيات مهمة في مجالات الاقتصاد والاستثمار والسياسية والأمن.
وبوصول حكومة السوداني التي تنحدر من عباءة "الإطار التنسيقي" وهو المكون الأكبر الذي يضم قوى وكيانات مقربة من إيران، بات السؤال الأكثر إلحاحاً هل يستطيع العراق الاستمرار على خطى مصطفى الكاظمي والعبادي في دبلوماسية الوصل والاتصال مع المجتمع الدولي؟.
فرص ما بعد مؤتمر "بغداد2"
ويفتح مؤتمر بغداد بنسخته الثانية الذي استضافته المملكة الأردنية الهاشمية الأسبوع الماضي بحضور إقليمي ودولي كبيرين، أمام فرص العراق نحو الاستفادة من ذلك الدعم والاهتمام في صنع حاضره ومستقبله وفق معيار المصلحة الوطنية والنأي بعيداً عن الاصطفافات الحاصلة في المنطقة.
وكانت السوداني قد أجرى أولى جولاته الخارجية بعد تسلمه المنصب الحكومي إلى المملكة الأردنية، ومن ثم الكويت وطهران ثم الرياض، التي شارك فيها بالقمة العربية- الصينية.
رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، يقول إن "الحكومة الحالية تمتلك قاعدة رصينة وصلبة للعب هذا الدور خصوصا أن مؤتمر بغداد بنسخته الثانية تحقق كجزء من عملية النجاح في السياسة الخارجية لحكومتي العبادي والكاظمي وهذا يأتي من تراكم عمل الدولة".
رغبة السوداني
ويضيف الشمري خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أنه "أيضا حضور السوداني بما لا يقبل الشك يمثل رغبة باستدامة هذا الاستثمار في النجاح بملف السياسة الخارجية، لذا أعتقد أن العراق مهيأ للتقريب بين وجهات النظر رغم أن الحكومة ما تزال في بدايتها".
واستدرك بالقول: "أتصور أن الموضوع بحاجة إلى المزيد من الوقت لاستعادة لعب هذا الدور، إذ هناك استحقاقات داخلية على الحكومة العمل على استكمالها وإنهاء الأزمات في الداخل، وكذلك قدرتها على تثبيت مبدأ التوازن وهو ما سيضاعف من احتمالية لعب الدور".
من جانبه يقول الأكاديمي والمحلل السياسي، إياد العنبر، أن "القوى الإقليمية العربية تريد أن ترى عراقا مختلفاً عن الماضي القريب، ولكن لحدّ الآن لا نعرف ماذا تريد القوى الحاكمة في العراق، هل تريده عراقاً فاعلاً ومتفاعلاً مع محيطه الدولي والإقليمي؟ أو أن يبقى ساحةً لاستعراض هيمنة نفوذ القوى الإقليمية؟".
ويتابع بالقول: "إجابة هذا السؤال يجب أن تكون هي البوصلة التي تحدد آفاق سياسة العراق الخارجية نحو البيئة الإقليمية والدولية".