مسألة حرق نسخة ورقية من المصحف الشريف على يد المتطرف الدنماركي السويدي رسموسن بالودان باتت تتكرر بشكل مزعج لمشاعر ملايين المسلمين حول العالم، فضلا عن قرابة مليون مسلم موجودين في السويد.
ولعل حرقه المصحف قبل أيام أمام مبنى السفارة التركية في السويد خلط الأوراق السياسية بالدينية، وأدخل علاقات أنقرة وستوكهولم في نفق جديد.
فالسويد المحتاجة، كما فنلندا، إلى موافقة تركيا على طلب انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، زار رئيس وزرائها اليميني المعتدل "أولاف كريسترسون"، تركيا، نهاية العام الماضي، وعقد قمة مهمة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتعهد ببذل جهود كبيرة لإقناع تركيا بالموافقة على الانضمام للناتو.
لكن مطالب تركيا -بحسب حكومة السويد- يجب أن تمر على القضاء في البلاد، وهو أمر لا قدرة للحكومة على التدخل فيه، لأنه خارج صلاحياتها، ولهذا فإن تعقيدات الأمر نفسه زادتها قصة حرق المصحف، ليتسع الخرق على الراتق، كما يقال في المثل.
وفعل حرق المصحف بحد ذاته دعاية وكراهية وعنف، فيما احترام الرموز الدينية مسألة ضرورية طالبت بها دول عربية وإسلامية أدانت وتدين مثل هذه الأعمال البغيضة، بل إن الامتناع عن إثارة الكراهية بإهانة الأديان، سواء كانت رموزا أو مقدسات، هو منطق يشمل تأكيد ضرورة نشر قيم التسامح والتعايش بين الجميع، وعلى السويد أن تعي ذلك.
ولعل التغريدة الرسمية للحكومة على لسان رئيس وزراء السويد أتت في سياق تصالحي نوعا ما مع العالم العربي والإسلامي، فالرجل قال: "حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية السويدية، لكن ما هو قانوني أحيانا ليس بالضرورة أن يكون أمرا لائقا، وحرق الكتب المقدسة للكثيرين هو فعل مشين للغاية، وأود أن أعبر عن تعاطفي مع جميع المسلمين الذين شعروا بالإساءة جراء ما حدث في ستوكهولم".
وقد تحدثت السويد العام الماضي عبر الراديو الحكومي عن أكثر من 5 ملايين دولار تم صرفها بغية حماية وتأمين تحركات وتجمعات المتطرف اليميني "بالودان"، وتلك الأموال هي من جيوب دافعي الضرائب في السويد، والشرطة وأجهزة الأمن في البلاد هي الجهة المسؤولة ولا تزال عن هاتيك المخصصات المالية، التي تعتبر بنظر المسلمين في السويد هدرا للمال العام.
وفي عالم تسعى دول كثيرة فيه إلى خلق بيئة مناسبة من الحوار والتلاقي بين أتباع الديانات، تبرز مثل هذه الأحداث الكريهة، محاولة تدمير كل شيء، فالإرهاب لا دين له، والتطرف يُبنى عليه الكثير، لتستغل الجماعات المتشددة مثل هذه الأعمال لكسب مؤيدين والعزف على وتر المشاعر.
وإذا كانت السويد كدولة أوروبية هادئة ومشهورة باستقبال اللاجئين والوقوف إلى جانبهم، قد تضررت سمعتها داخل الأوساط العربية والإسلامية نتيجة فعل متطرف وغير مقبول، فمن الضرورة بمكان عدم تكرار مثل هذه الجرائم ضد ملايين المسلمين، حتى يتسنّى للعقلاء معالجة هذه الظواهر وعدم إخراجها عن سياقها.
ولعل البُعد السياسي الخاص بالحدث الآن يذهب نحو العلاقات بين تركيا والسويد، على اعتبار ما جرى مؤخرا كان أمام السفارة التركية، والمطلوب تقديم مصالح السويد على تصرفات عنصرية متطرفة، تجعل البلد أمام مغامرة سياسية ودبلوماسية ومجتمعية، فهناك فرق كبير بين حرية التعبير وسوء التدبير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة