معركة إدلب.. روسيا تواجه أطماع تركيا في سوريا
بعد قصف جوي مكثف من الطيران السوري والروسي، نجحت القوات السورية في دخول خان شيخون، للمرة الأولى منذ 2014.
منحى جديد تأخذه معركة إدلب عقب تقدم قوات الجيش السوري إلى مدينة خان شيخون جنوب محافظة إدلب، واستمرار التحذيرات بين الجانبين الروسي والتركي بشأن التصعيد الميداني بالمدينة السورية، والتي تشير إلى أن موسكو قررت مواجهة أطماع رئيس تركيا رجب طيب أردوغان في سوريا.
فبعد قصف جوي مكثف من الطيران السوري والروسي، نجحت قوات الجيش السوري في دخول خان شيخون، للمرة الأولى منذ 2014.
وأكدت روسيا بوجود قواتها على أرض إدلب، مهددة بالرد في حال استهداف قواتها، وهو ما وقف أمامه مولود أوغلو وزير الخارجية التركي عاجزا، واكتفى بالتأكيد على أن الرتل العسكري التركي الذي استهدفه الجيش السوري كان في طريقه لموقع المراقبة العسكري شمال غربي سوريا.
واعتبر مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن معطيات المشهد الحالي تشير إلى تصاعد الخلافات بين روسيا وتركيا، والذي ارتبط بالمناطق منزوعة السلاح والجماعات الإرهابية في إدلب، مشيرا في حديثه لـ"العين الإخبارية" إلى أن المعركة تزداد تعقيدا مع تقدم الجيش السوري، الذي يدرك أهمية السيطرة على المعقل الأخير للجماعات الإرهابية في سوريا.
- الجيش السوري يقترب من مدينة خان شيخون الاستراتيجية
- الجيش السوري يستعيد السيطرة على مناطق في حماة وإدلب
أسباب الخلاف
في الأول من أغسطس/آب أعلنت الحكومة السورية الموافقة على هدنة في منطقة إدلب شمال غربي البلاد، شرط تطبيق اتفاق "سوتشي" المتعلق بإنشاء منطقة منزوعة السلاح، وتراجع الجماعات المسلحة بحدود 20 كم بالعمق من خط منطقة خفض التصعيد، وسحب كافة الأسلحة المتوسطة والثقيلة.
لكن تصاعد الوضع، الإثنين الماضي، بعبور قافلة تركية محملة بالذخيرة عبر الحدو لشمال غرب سوريا، لدعم الإرهابيين في معركتهم بخان شيخون مع النظام السوري.
بعدها جاء الرد السوري المدعوم من روسيا بضربات جوية موجهة ضد آليات تركية متوقفة بالطريق الدولي بين إدلب وحماة.
ويرى غباشي أن الرد السوري هو واحد من أسباب نشوب الخلاف بين موسكو وأنقرة، خاصة أن تفوق الحكومة السورية يعني طرد الإرهابيين المدعومين من تركيا خارج إدلب، وتصبح استعادة حماة أبسط بمحاصرتها عبر الطريق الدولي مع إدلب.
وقال أحمد عليبة، الخبير بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: إن "اللهجة الحادة في تصريحات الدبلوماسيين الروس تحمل تركيا مسؤولية دعم جبهة فتح الشام الإرهابية (النصرة سابقا) التي تتراوح أعدادها ما بين 50 – 90 ألف مسلح من عناصر أجنبية ومحلية، وهو الأمر الذي دعم تأجيج الصراع بدخول القافلة العسكرية التركية لإدلب".
واتفق عليبة مع تحليل غباشي بشأن تحالف روسيا مع النظام السوري؛ إذ يعد رسالة واضحة لتركيا، مع تزامن التوافق الأمريكي–التركي بشأن المنطقة الآمنة في شرق الفرات مؤخرا، ما يلزم أنقرة باحتواء الصدام مع روسيا.
مصير اتفاق سوتشي
في الـ17 من سبتمبر/أيلول 2018، أبرمت روسيا وتركيا اتفاقية سوتشي التي تنص على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق يتراوح بين 15- 20 كم في عمق منطقة خفض التصعيد، وتطهير هذه المناطق من الإرهابيين قبل 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إضافة لاستئناف حركة السير في الطرق الرابطة بين حلب واللاذقية وحلب وحماة.وفي ظل التوترات بين روسيا وتركيا، تثار التساؤلات حول مصير اتفاق سوتشي، وهو الأمر الذي حذر مختار غباشي منه، نظرا لارتباط الثنائي بمشاورات بشأن الأزمة السورية بشكل عام وليست إدلب فقط، مرجحا انهيار هذا الاتفاق.
من جانبه، رأى أحمد عليبة أن المؤشرات تؤكد انهيار اتفاقية سوتشي، ودخول العلاقات بين روسيا وتركيا منعطفا جديدا تشوبه الأزمات الحادة.
سيناريوهات محتملة
دخول الجيش السوري خان شيخون، والذي جاء عقب أسبوع من سيطرته على بلدة الهبيط المؤدية لريف إدلب جنوبي المدينة، يؤكد تفوق الحكومة السورية ميدانيا.
وأشار عليبة إلى أن سيناريو التصعيد وارد حدوثه في حال تكرار مشهد الضربة العسكرية للرتل التركي، مؤكدا في الوقت نفسه أن صمت الرئيسين التركي والروسي يحمل دلالة استمرار الوضع في إدلب كما هو عليه.
وتضمن السيناريو الثاني محاولة احتواء الأزمة نظرا لتشابك المصالح الدولية والإقليمية بين موسكو وأنقرة، وإدراكهما خطورة الصدام العسكري المباشر، بحسب تحليل غباشي.
وهو السيناريو الذي رجح عليبة حدوثه عبر إتاحة تركيا الفرصة للعناصر غير المنضمة لجبهة فتح الشام الإرهابية، للقتال في الصفوف الأمامية بالمعركة، للتخلص من تهمة دعم الإرهاب والاحتفاظ بالحليف الروسي.
ونوه عليبة بسيناريو ثالث وهو إبرام صفقة جديدة على غرار صفقة شرق الفرات قائلا: "ربما تصبح إدلب شرق فرات جديدة بالتوافق بين موسكو وأنقرة على منطقة آمنة، ويرتبط حدوث هذا السيناريو بدرجة استجابة الجانب الروسي بعد اكتشافه خطورة التحالف مع الجانب التركي".
وأمام كافة السيناريوهات المحتملة للتصعيد الروسي-التركي، يظل السؤال مطروحا: متى تنتهي الأزمة في إدلب؟