التنظيمات الإرهابية قد تنتهي ولكن للأسف الشديد ضحاياها ومريديها لا يموتون.
إعلان الرئيس الأمريكي سقوط آخر معقل لـ«داعش» لا يعنى نهاية التنظيم وفكره وشروره.
ما سقط من «داعش» هو تلك المساحات الجغرافية التي كان يحتلها بقوة التوحش العسكري والإرهاب التكفيري والمال الأسود، ولكن لم يسقط -أبداً- الفكر والدعوة والأنصار والضحايا لهذا التنظيم الشرير.
يخطئ من يعتقد أن هزيمة تنظيم «داعش» على الأرض ونهاية احتلاله لشمال سوريا، تعني تحرير عقول وأفكار ملايين الشباب والشابات الذين سُرقت إرادتهم وتم تشويه فكرهم الديني بواسطة «داعش».
وبسذاجته المعهودة خرج الرئيس الأمريكي منذ ساعات ممسكاً بخارطة عسكرية بدائية عليها بعض الخطوط التي تؤكد الهزيمة العسكرية في آخر معاقل «داعش» في شمال سوريا على يد قوات سوريا الديمقراطية.
فرحة «ترامب»، الباحث عن أي انتصار يتعلق به في زمن الضغوط الداخلية عليه من داخل حزبه والمعارضة الديمقراطية، يجب ألا تؤخذ -عربياً- على أنها الخبر اليقين لنهاية هذا التنظيم الأسود.
علّمنا التاريخ، وهو خير معلِّم، أن التنظيمات الإرهابية قد تنتهي، ولكن للأسف الشديد فإن ضحاياها ومريديها لا يموتون، عقب سقوط الخلافة العثمانية خرجت أفكار رشيد رضا لإحياء الخلافة، وظهر حسن البنا في الإسماعيلية بتأسيس فكر جماعة الإخوان المسلمين.
وعقب اغتيال «البنا»، وظهور سطوة الحكم الناصري في مصر، ظهر تأسيس الفكر الجهادي لسيد قطب في كتابه الشهير «معالم في الطريق»، وداخل المعتقل وقبيل إعدامه تأثر به ما يعرف باسم تنظيم «فتيان محمد» الذي تلقى فكر ضرورة الجهاد وإعلان الولاء والبراء والحاكمية لله وإسقاط الحاكم بعد تكفيره وإن نطق بالشهادتين.
هذا الفكر صاحبه فكر مؤسس آخر هو الباكستاني أبو الأعلى المودودي، الذي كانت له قراءته المغلوطة تماماً لفكر ابن تيمية ومحاولة إلباسه ثوب التكفير للحاكم بهدف إقامة الخلافة الإسلامية وإن استلزم ذلك قتال العالم كله.
وجاءت حرب أفغانستان لتبدأ مرحلة الفكر الجهادي في مصر والسودان والسعودية وسوريا وباكستان، وتمت لأول مرة في التاريخ المعاصر «عولمة الجهاد».
وفي السودان، وعند إقامة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري فيها عقب انتهاء الحرب الأفغانية، بدأ التفكير لدى «ابن لادن» و«الظواهري» في الانتقال من مبدأ قتال الروس إلى قتال الأمريكان بهدف «ضرب رأس الحية» التي تدعم الأنظمة الكافرة-على حد وصفهما.
وعاد «ابن لادن» و«الظواهري» في هجرتهما الثانية إلى أفغانستان وأعلنا البيعة للملا محمد عمر.
ومن هناك تم التخطيط لتفجيرات في السعودية، ومحاولة قتل الرئيس حسني مبارك، والنجاح في عملية 11 سبتمبر 2001.
وعقب حرب غزو العراق، ونتيجة «الغباء الأمريكي» في ضرب السنة وتغليب القوى الشيعية السياسية، ظهر تنظيم القاعدة القتالي ضد الوجود الأمريكي بهدف «نصرة السنة في العراق» حسب بيانهم الأول.
وبعد انتصارات لأبو مصعب الزرقاوي، قائد قاعدة العراق، تم فصل الاندماج عن «القاعدة» الأصل في أفغانستان، وانفرد «الزرقاوي» بنشاط قاعدة العراق.
وجاءت في عام 2014 3 متغيرات: قوة تنظيم القاعدة في سوريا والعراق، اغتيال «الزرقاوي»، سطوة التيار القاعدي الذي يؤمن بإدارة التوحش العسكري لإقامة الخلافة في الشام والعراق، كما عبر عن ذلك أبوبكر البغدادي في خطابه الشهير الذي قدّم فيه لأول مرة نفسه شكلاً وموضوعاً وبدأ إعلان الخلافة الإسلامية في صيف 2014 وبدأت السيطرة على أراضٍ شاسعة في العراق.
وبدأت خسائر التنظيم في «الفلوجة» منذ عام 2015، ومن خسائر العراق انتقلت الخسائر إلى شمال سوريا عقب التدخل العسكري الحاسم والطاغي في سوريا.
هذه المقدمة الطويلة الغرض منها أن حركة التنظيمات الجهادية التكفيرية المتوحشة هي حركة هبوط وصعود، قوة وضعف، حركة وثبات مؤقت، سيطرة وانفلات.
كل هؤلاء؛ «رشيد رضا والبنا والمودودي وسيد قطب وشكري مصطفى وعمر عبدالرحمن وسيد إمام، صاحب كتاب (العمدة في إعداد العدة)، وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري والملا محمد عمر وأبو مصعب الزرقاوي وأبوبكر البغدادي»، لا ترجع قوتهم لأراضٍ احتلوها ولكن لعقول -لشباب مغرر به- تمت السيطرة عليها، واستلاب فكرها، وخطف إرادتها إلى حد تفجير أنفسهم دفاعاً عن وهم الخلافة المزعومة والجنة والحور العين.
يخطئ من يعتقد أن هزيمة تنظيم «داعش» على الأرض ونهاية احتلاله لشمال سوريا، تعني تحرير عقول وأفكار ملايين الشباب والشابات الذين سُرقت إرادتهم وتم تشويه فكرهم الديني بواسطة «داعش».
باختصار هذه ليست نهاية فكر «داعش» ولكن نهاية مرحلة من الأعمال العسكرية ضده.
نقلاً عن "الوطن" المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة