اتفاق «دمشق- قسد».. تسوية تاريخية أم هدنة هشة في قلب العاصفة؟

مثَّل إعلان السلطات السورية توقيع اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية لدمج مؤسساتها المدنية والعسكرية بجهاز الدولة، مفاجأة مدوية.
وقبل أيام، كانت المعارك لا تزال مستعرة في الشمال السوري، حيث خاضت قوات سوريا الديمقراطية، التي تتشكل في غالبيتها من الأكراد، مواجهات مع قوات موالية للسلطات السورية الجديدة.
لكن مسارًا سياسيًا آخر كان يتقدم في الغرف المغلقة على ما يبدو، لينتهي بمفاجأة صورة الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات قسد مظلوم عبدي في قصر الشعب.
عاصفة من التساؤلات والتحليلات اجتاحت الشارع السوري بعد دقائق من خروج اتفاق "المفاجأة"، إذ لم يكن أشد المتفائلين بالحالة السورية يتوقعه.
وفيما لا تزال البنود العريضة للاتفاق مسار تحليل وجدل بين العارفين بدهاليز السياسة السورية، تبقى الخشية من أن تلعب شياطين التفاصيل دورها في تعطيل الاتفاق.
في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أبدى مدير مركز رامان للدراسات، الدكتور بدر ملا رشيد، خشيته من تحديات كبيرة قد تقف في وجه مسار تطبيق الاتفاق.
وأوضح أن العقوبات الاقتصادية قد يكون لها أثر في تأخير تفعيل عجلة الدولة لتصبح قادرة على فرض حضورها السلطوي في كل مناطق سوريا، والوصول إلى جميع المواطنين، وتلبية احتياجاتهم، واصفًا هذا الأمر بأنه يشكل أحد أهم التحديات التي تواجه هذا الاتفاق.
الأمر الآخر، برأي رشيد، هو تحديات متعلقة بطبيعة الفصائل وطبيعة الأطراف العسكرية في سوريا ككل، ويقول: "اليوم هناك طرف هو الحكومة السورية، وهي تملك الشرعية، وهي شرعية تمثل جزءًا مهمًا من الشعب السوري، لكن طبيعة القوى العسكرية الموجودة على مختلف مساحة الجغرافيا السورية هي واحدة من أكبر التحديات التي تواجه هذا الاتفاق".
ويشدد على الحاجة إلى ترتيب هياكل الفصائل السورية بشكل عام واندماجها في الهيكلية الأساسية للجيش، معتبرًا الأمر التحدي الأهم في سبيل دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
ويشير رشيد إلى وجود أطراف داخلية متضررة من الاتفاق، لكنها ملجومة في الوقت الراهن بالاحتفاء الشعبي الذي قوبل به الإعلان عن توقيعه، وهو ما قد يفتر بمرور الوقت ويسمح لتلك القوى بلعب أدوار سلبية لتعطيله.
كما يلفت أيضًا إلى الموقف التركي الحاسم، ويقول إنه رغم أن أنقرة تبرز كفاعل رئيسي في الملف، فإنها تجاوزت مربع الرفض، لا سيما بعد الخطوات التي اتخذها حزب العمال الكردستاني لجهة قراره إلقاء السلاح.
وأبدت تركيا ترحيبًا حذرًا بالاتفاق، وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الاتفاق "سيخدم السلام".
وتدور المخاوف التركية، بحسب مدير مركز رامان للدراسات، حول سقف الاتفاق والمدة الزمنية لتطبيقه وليس حول حصوله.
من جهته، يشير الصحفي الكردي السوري مكسيم عيسى، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إلى دمج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة، وهو ما فسَّره باعتباره قرارًا بالإبقاء على قوات قسد واحتفاظها بالسلاح.
ومن المرجح أن تدخل قوات سوريا الديمقراطية على شكل مجموعة أو كتلة في وزارة الدفاع، أما بالنسبة لمسألة اندماجها في مؤسسات الدولة، فالقصد هو الاعتراف بمؤسسات قسد، من أمن عام ومؤسسات إدارة ذاتية، ضمن مؤسسات الدولة السورية مع الحفاظ على هيكليتها وتطويرها ضمن نطاق مناطق الإدارة الذاتية.
عيسى أكد أن الاتفاق هو الخيار الوحيد حاليًا لدى السوريين، فجميع الأطراف تسعى للدخول في مرحلة استتباب الأمن، لا سيما أن البند الأساسي هو إيقاف كامل العمليات العسكرية ووقف إطلاق النار في عموم البلاد، لكن الاتفاق سيواجه بطبيعة الحال عددًا من التحديات، لا سيما حالة عدم الرضا من الجانب التركي.
بدوره، يلفت الأكاديمي الكردي فريد سعدون، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إلى نقطة مهمة وردت في الاتفاق، وهي مصطلح "الدمج"، فهذا المصطلح لا يعني الاحتواء، بل يعني أن هناك كتلة ستدخل إلى داخل الجيش السوري الجديد، وأن هناك طرفًا سيفرض صبغته ولونه وأسلوبه ومصطلحاته، وبالتالي ستصبح قوات قسد جزءًا من الجيش الجديد وتابعة لوزارة الدفاع.
وتركت معالجة الكثير من تفاصيل الدمج للجان عسكرية ولجان أمنية، لكن سعدون يرجح أن تتحول قوات قسد إلى فيالق وألوية تكون تابعة لوزارة الدفاع.
أما بالنسبة لمناطق انتشار هذه القوات، فهي غير محددة، لكن هناك نوعًا من التفاهم حول منح القادة العسكريين في قسد رتبًا عسكرية مثلما هي الرتب في الجيش السوري، بالإضافة إلى أن الأوامر ستكون من وزارة الدفاع، واصفًا كل هذه الإجراءات بأنها حلول وسط بين الطرفين بحيث لا يتم حل قسد نهائيًا، ولا يتم نقلها إلى مناطق نزاعات قد تخلق فتنة.
aXA6IDMuMTQzLjE3LjE1OCA= جزيرة ام اند امز