لماذا توحد العالم ضد الغزو التركي لسوريا؟
رغم تعزيزات أنقرة العسكرية ومحاولات ربطها الأكراد بالإرهاب؛ بدا واضحا الرفض الإقليمي والدولي للخيار العسكري.
بالتزامن مع تحذيرات دول شرق المتوسط لأعمال التنقيب التركية في المناطق الاقتصادية التابعة لقبرص، يناهض عدد معتبر من القوى الدولية والإقليمية التحرك التركي الذي بدأ يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري تحت اسم "نبع السلام" في شمالي سوريا، والذي تهدف من ورائه إلى كسر قنوات التواصل بين الحواضن الكردية في سوريا، لتقويض المشروع المحتمل لإقامة دولة كردية في تلك المناطق على المدى الطويل، خاصة أن التطورات الأمنية التي شهدتها الساحة السورية عززت طموح الأكراد تجاه هذا المشروع.
وتمكنت تركيا طوال الفترة الماضية من تعزيز حشودها العسكرية على الحدود مع سوريا إضافة إلى جمع فصائل المعارضة في الجيش الحر، والجبهة الوطنية للتحرير، ودمجها في كيان عسكري واحد تحت سلطة الحكومة المؤقتة المدعومة من تركيا برئاسة عبدالرحمن مصطفى.
ورغم تعزيزات أنقرة العسكرية ومحاولات ربطها الأكراد بالإرهاب؛ بدا واضحا الرفض الإقليمي والدولي للخيار العسكري التركي ضد وحدات حماية الشعب الكردية الذراع المسلحة لقوات سوريا الديمقراطية.
مخاوف وتحديات
هناك العديد من المخاوف والتحديات التي ثير قلق القوى الإقليمية والدولية من توجه أنقرة نحو عسكرة الأزمة شرق الفرات؛ أولها المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى انتعاش تنظيم "داعش"، خاصة أن واشنطن بدأت في 8 أكتوبر/تشرين الأول الجاري سحب جنود من قواتها من مناطق الشريط الحدودي مع تركيا إضافة إلى شكوك في قدرة أنقرة على السيطرة على عناصر "داعش" المحتجزة.
وتثير العملية التركية المخاوف من احتمال فرار نحو 10 آلاف إرهابي من تنظيم "داعش" تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية حاليا في حال اضطر مقاتلو المجموعة لمواجهة الجيش التركي، وبين هؤلاء نحو ألفي عنصر من "المقاتلين الأجانب" ناهيك عن أن نحو نصف سكان مخيم الحول الذي تتولى تأمينه قوات "قسد" -والبالغ عددهم نحو 70 ألفا- من الموالين لتنظيم "داعش".
وفي تغريدة له، قال بريت ماكغورك المبعوث الأمريكي الخاص إلى قوات التحالف: "لم تكن لدى تركيا النية والرغبة والقدرة على إدارة 60 ألف محتجز في معسكر الهول، الذي حذر المفتش العام لوزارة الدفاع من أنه سيكون نواة لتنظيم داعش".
وتدير قوات سوريا الديمقراطية مخيما للاجئين في شمالي سوريا، ويضم عدة آلاف من أفراد وعائلات التنظيم.
في المقابل؛ فإن العملية العسكرية التركية في الشمال السوري قد تلحق الكثير من الأضرار بالأمن الإقليمي؛ حيث ستتقلص رغبة وحدات حماية الشعب في الاستمرار في التصدي لعمليات "داعش".
على صعيد متصل، قد تسفر العملية التركية عن تهديد شبكات الأمان في المنطقة، خاصة مع إعلان الأكراد النفير العام، ونشرت قوات "قسد" عددا كبيرا من أفراد قواتها القتالية الأساسية في الشمال لتأمين المناطق المكشوفة أمام الجيش التركي.
والأرجح أن جميع الخيارات باتت مفتوحة أمام قوات "قسد" في إطار محاولات رد التوغل التركي سواء بإمكانية التوجه نحو الشراكة مع قوات الجيش السوري، وعبر توظيف الكيانات الكردية في العراق وتركيا لإزعاج أنقرة.
ويخشى الأكراد أن يؤدى التوغل التركي الثالث إلى حدوث كارثة ديموغرافية على حساب الأكراد، كما حدث في عفرين عشية الغزو التركي لها في يناير/كانون الثاني 2018. ومن شأن هذا تغيير التركيبة السكانية للمنطقة ذات الأغلبية الكردية وتحويلها إلى منطقة ذات أغلبية عربية.
تحذيرات متتالية
واتسع نطاق الخلافات بين تركيا وعدد معتبر من القوى الدولية والإقليمية على مدار الأشهر الماضية، وذلك لاعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في الانتقادات التي توجهها العديد من الدول الأوروبية والعربية، إلى تركيا بسبب تحرشاتها في منطقة شرق المتوسط فضلا عن اجتياح الشمال السوري تحت ذرائع واهية.
وفي ظل التوترات السابقة، حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تركيا من تجاوز الحدود في الشمال السوري، وهدد في تغريدة له بتدمير اقتصادها وعملتها الهشة للغاية.
كما علقت واشنطن تطبيق آلية المنطقة الآمنة، وفي خطوة لها دلالاتها العسكرية، أعلنت واشنطن إغلاق الأجواء أمام تركيا شمال شرقي سوريا، وهو ما يعني لتركيا أنه لا يمكنها استخدام طائراتها الحربية في أي عملية توغل داخل الأراضي السورية؛ ما سيعرضها لخسائر كبيرة، ويعوق عملية تقدمها على الأرض.
في الإطار ذاته، حذر الاتحاد الأوروبي من أن التوغل التركي الحادث الآن في سوريا سيلحق الضرر بالعلاقة مع الاتحاد، وسيهدد جهود تسوية الأزمة السورية التي قطعت شوطا معتبرا على صعيد إنهائها.
من جانبها، دعت موسكو حكومة تركيا إلى ضرورة احترام وحدة الأراضي السورية، فثمة خلافات متجذرة بين أنقرة وموسكو بشأن طبيعة المنطقة الآمنة؛ إذ تطالب تركيا بعمق نحو 30 كيلومترا أو 23 كيلومترا على الأقل للمنطقة فضلا عن سيطرة كاملة للقوات التركية على إدارة المنطقة، وهو ما ترفضه روسيا.
وتدعو موسكو الأتراك إلى الانخراط في ترتيبات أمنية في المنطقة تنطلق من اتفاق أضنة الموقع مع دمشق في عام 1998.
وفى تطور موازٍ، رفضت إيران التوغل التركي شرقي الفرات، وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن بلاده تعارض "عملية عسكرية في سوريا".
كما أن التدخل التركي قد يدفع قوى دولية إلى تغيير مواقفها باتجاه التعامل مع نجاحات دمشق على الأرض، خاصة أن تشكيل اللجنة الدستورية طرح مواقف دولية مغايرة بشأن إعادة الشرعية إلى النظام السوري، وظهر ذلك في وثيقة باريس التي تتحدث عن فرصة "إعادة الشرعية" والاعتراف بنتائج الانتخابات السورية، إذا ما أشرفت عليها الأمم المتحدة في عامي 2020 و2021.
على صعيد ذي شأن رفض قطاع واسع من الدول العربية التوغل التركي شمالي سوريا، وسارعت السعودية والإمارات ومصر والكويت والعراق إلى إصدار بيانات إدانة قوية للخطوة التركية.
وختاما، يمكن القول إن التوغل في الشمال السوري، لدفع المقاتلين من -وحدات حماية الشعب- الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين، بعيدا عن حدودها، سوف يتسبب، على الأرجح، في توتر علاقات تركيا مع محيطها الدولي والإقليمي، وهو ما سيفرض متاعب إضافية على السياسة الخارجية التركية خلال الفترة المقبلة، وقد يؤدي إلى تراجع الصورة الذهنية لتركيا في الوعي الجمعي الدولي، ناهيك عن تصاعد احتمالات قيام التيارات الإرهابية بإعادة تموضعها في سوريا.
aXA6IDMuMTUuMTQ5LjI0IA== جزيرة ام اند امز