أزمة سوريا و«دروس ليبيا».. تحديات أعقد وأعمق
وسط مشهد أمني متشرذم وتدخلات القوى الخارجية المتزايدة، تبدو أزمتا سوريا وليبيا وكأنهما وجهان لعملة واحدة، حيث تتشابك خيوط الأزمة في البلدين.
ووفق تقرير للمعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" فإن تطور الأوضاع في ليبيا يقدم دروسا للقادة الجدد في سوريا.
معد التقرير الباحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تيم إيتون أشار إلى التشابه الكبير بين الأوضاع داخل البلدين، لا سيما فيما يتعلق بالمشهد الأمني المتشرذم والتدخل الكبير للقوى الأجنبية.
ويرى إيتون أن الانهيار السريع والكامل لنظام الأسد في سوريا يظهر السرعة التي يمكن أن تسقط عبرها الأنظمة السياسية الهشة، مضيفا أن سوريا الآن تمر بمرحلة انتقالية ضبابية، حيث توجد نتائج محتملة كثيرة للغاية، حيث لا يمكن التنبؤ بأي منها، وهو ما بدا في تصريحات مسؤولين من المنطقة والقوى الغربية غلب عليها التفاؤل الحذر بسبب تعقد الوضع الداخلي، كما قدموا تجارب من دول أخرى تأثرت بالنزاعات كتحذير من العواقب.
ونقل تصريح وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، أمام البرلمان في 9 ديسمبر/كانون الأول "لا نريد أن تصبح سوريا مثل ليبيا.. مجزأة وعرضة للجماعات الإرهابية المختلفة".
تحديات جسام
وينوه التقرير إلى أن حجم التحدي الذي تواجهه سوريا أكبر مما واجهته ليبيا في عام 2011، فقد سقط الزعيم الليبي معمر القذافي بعد أقل من عام من الصراع الذي أودى بحياة آلاف الأشخاص، في الوقت ذاته ظلت معظم البنية التحتية للبلاد سليمة، وظل الثوار الليبيون يصدرون النفط حتى قبل إسقاطه.
أما الثورة السورية فقد جاءت بعد أكثر من عقد من الصراع الوحشي، الذي دمر معظم البنية التحتية للبلاد، وخلق أزمة لاجئين هائلة، وأدى إلى ارتفاع عدد القتلى إلى أكثر من 600000، وهو ما يجعل الانقسامات الاجتماعية والتصدعات المجتمعية في سوريا في عام 2024 أعمق بكثير مما كانت عليه في ليبيا عام 2011.
الاختلاف الرئيسي الآخر هو هيكل الاقتصاد السوري، الذي تحول تحت وطأة العقوبات الثقيلة إلى مركز لإنتاج وبيع المواد المخدرة وحبوب الكبتاغون، وجرى تقسيم البلاد إلى مناطق تمتع بعضها بالحكم الذاتي.
يضاف إلى ذلك تركز البنية التحتية النفطية السورية في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، لكن سوريا ليست دولة مصدرة رئيسية، هذا يعني أنه لا توجد بنية تحتية وطنية واسعة يشارك فيها جميع الأطراف بمصلحة اقتصادية مشتركة، أما في ليبيا فقد كانت السلطات المتنافسة تدرك أن اقتصاد بلادهم يعتمد على البنية التحتية للنفط والغاز، وهو عامل شجع على مستوى من الاعتماد المتبادل.
مشهد أمني متصدع
إيتون أشار إلى أن وجه التشابه الأبرز بين الوضع في ليبيا وسوريا هو المشهد الأمني، إذ تسيطر مجموعة واسعة من الجماعات المسلحة على الأراضي في كلا البلدين.
وقال "سيتعين على القادة الجدد في سوريا التعامل مع مجموعة من الفصائل المسلحة ذات المصالح الراسخة والمتضاربة، من الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، وقوات سورية الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، والحال نفسها يتكرر في ليبيا، إذ فشلت الجهود الرامية إلى إخضاع مجموعة الجماعات المسلحة لسيطرة وزارتي الدفاع والداخلية، ومارست المجموعات المسلحة نفوذا واسعا على مؤسسات الدولة".
وأضاف "في ليبيا يتعاون القادة الأقوياء ويتنافسون مع المسؤولين في بيئة شديدة التحصين، ونتيجة لهذا يسعى المنافسون السياسيون بفاعلية إلى استرضاء الجماعات المسلحة من خلال توفير الموارد وتطوير التحالفات غير الرسمية".
ورغم إعلان "هيئة تحرير الشام" اعتزامها تفكيك جميع الفصائل المسلحة ودمج عناصرها تحت إشراف وزارة الدفاع لتفادي المصير الذي تعاني ليبيا منه الآن، إلا أن المقال أشار إلى وجود تساؤلات كبيرة حول كيفية تحقيق هذا الهدف، بالنظر إلى غياب التوافق بين المجموعات الأخرى، بالقول "إذا اتخذنا الوضع في ليبيا مثالا فإن الجهود التي أعلنتها (هيئة تحرير الشام) ستكون صعبة إلى حد كبير وقد تشعل صراعا أكبر بين التشكيلات المتنافسة".
التدخلات الخارجية
وتواجه سوريا معضلة أكبر تتمثل في تدخل القوى الأجنبية كما هو الحال في ليبيا، حيث بنت القوى الخارجية شراكات مع الأطراف المتنافسة في شرق وغرب البلاد، ما عرقل مساعي الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات وتشكيل حكومة موحدة.
إيتون لفت إلى أن "الدروس من ليبيا واضحة تماما: دون إجماع بين اللاعبين الخارجيين، ستكون الاتفاقات الهشة بين الفصائل السورية مهددة، وسيجرى تقويض أي مساع لحكومة فعالة، وعديد من الأطراف المؤثرة في الأحداث في ليبيا، مثل روسيا وتركيا لديها أيضا مصالح في سوريا".
وأضاف "في الوقت الذي خفضت فيه الجهات الفاعلة الخارجية مشاركتها في سوريا قبل الإطاحة بالأسد، فإن هذا الموقف قد يتغير ومن المرجح أن يتغير في منطقة، إذ تشتعل صراعات متداخلة متعددة".
ربط السياسة بالأمن
إيتون قال إن الدرس الأخير الذي يمكن أن يتعلمه القادة الجدد في سوريا من الوضع داخل ليبيا، وهي العواقب المترتبة على الانفصال بين القيادة السياسية والجماعات المسلحة نفسها.
وأوضح أن "القيادات بعد عام 2011 كانت بعيدة كل البعد عن مجموعة التشكيلات المسلحة التي أطاحت بالقذافي، ومن ثم سادت الجماعات المسلحة منذ عام 2011".
aXA6IDMuMTQ1LjEwNi4xNzYg جزيرة ام اند امز