دبلوماسية الدولار أم دفتر الشيكات.. لماذا قطعت هندوراس علاقتها بتايوان؟
وسط تنامي مستويات التوتر بين الصين وتايوان التي تغذيها المخاوف من تكرار سيناريو أوكرانيا، فقدت تايبيه أحد داعميها القلائل على الساحة الدولية.
فبعد 11 يوما على إشارتها إلى أنّها ستُقيم علاقات دبلوماسيّة مع بكين أعلنت هندوراس، السبت، قطع علاقاتها الدبلوماسيّة مع تايوان، في قرار قد يضيف مزيدا من العزلة على تايبيه، ويجعل الصين أقرب إلى تنفيذ عملية "إعادة التوحيد السلمي" للصين.
وقالت وزارة الخارجيّة في هندوراس في بيان إنّ الوزير إنريكي رينا "بناءً على تعليمات من رئيسة الجمهوريّة زيومارا كاسترو قد أبلغ تايوان بقرار قطع العلاقات الدبلوماسيّة".
وأضافت وزارة الخارجية "تعترف حكومة هندوراس بوجود صين واحدة فقط.. حكومة الصين هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين كلها"، مشيرة إلى أن هندوراس أبلغت تايوان بقرارها قطع العلاقات، وأنها لن تعود إلى إقامة أي علاقة أو اتصال رسمي مع تايوان.
ما أسباب القرار؟
يأتي قرار هندوراس بعد أيام من زيارة وزير خارجيتها إلى الصين، بعد أن قالت رئيسة هندوراس زيومارا كاسترو إن حكومتها ستبدأ علاقات مع بكين.
وبموجب سياسة "الصين الواحدة" لا يقبل النظام الشيوعي في بكين إقامة علاقات دبلوماسية معه ومع تايوان في الوقت نفسه، ويؤدي اعتراف أي دولة بجمهورية الصين إلى قطع العلاقات بينها وبين تايوان.
وتعتبر الصين تايوان إحدى مقاطعاتها التي ليس لها الحق في إقامة علاقات مع الدول، وهي وجهة نظر ترفضها بشدة الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في تايبيه.
وكانت السلفادور وبوركينا فاسو وجمهورية الدومينيكان قطعت العلاقات مع تايوان عام 2018. وفي العام التالي حذت كيريباتي وجزر سليمان حذوها.
وكان وزير خارجية هندوراس رودولفو باستور دي ماريا إي كامبوس سلط الضوء على مكانة الصين الاقتصادية باعتبارها "الثانية بعد الولايات المتحدة"، قائلا إنه يأمل في أن تجلب العلاقات الدبلوماسية فرصا للاستثمار والتجارة.
وقال رودولفو باستور دي ماريا إي كامبوس "ما نسعى لتأسيسه من خلال العلاقة مع الصين هو تحقيق الاستثمار للتغلب على التحديات التي تواجه البلاد"، مشيرا إلى أن البلاد مثقلة بأكثر من 20 مليار دولار من الديون.
هذه الفوائد الاقتصادية جذابة بشكل خاص لدول أمريكا اللاتينية النامية، ويصعب على تايوان أو مؤيديها مواجهتها، كما قال بارسيفال ديسولا مؤسس ومدير مركز أبحاث الصين وأمريكا اللاتينية.
وقال ديسولا، في تصريحات لشبكة "سي إن إن" الأمريكية "هذا في الأساس شيء لا يمكن لتايوان والولايات المتحدة بصراحة التنافس معه، عندما تتحدث عن الاستثمار في البنية التحتية، وفي التنمية الخضراء، فهذه أنواع الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تبحث عنها هذه البلدان في الساحة الدولية".
وأضاف أن الصين "تكتسب أرضية" في هذه المناطق بسبب نقص الخيارات والمساعدة الاقتصادية من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
كيف ردت تايوان؟
فيما قال وزير خارجية تايوان جوزيف وو، اليوم الأحد، إن بلاده قطعت العلاقات الدبلوماسية مع هندوراس وقررت إغلاق سفارتها هناك، ردا على قرار هندوراس قطع العلاقات التي استمرت لعشرات السنين مع تايوان.
وكانت هندوراس واحدة من 14 دولة فقط تعترف رسميا بتايوان، مما يعني أن تايبيه سيكون لديها علاقات دبلوماسية مع 13 دولة فقط.
وبحسب أحد شهود العيان، فإن علم دولة هندوراس أزيل اليوم الأحد من داخل وزارة الخارجية التايوانية في العاصمة تايبيه.
وتضع تايوان أعلام الحلفاء الدبلوماسيين لها داخل المدخل الرئيسي للوزارة، ومن المقرر أن يعقد وزير خارجية تايوان مؤتمرا صحفيا في وزارته للتحدث عن القرار ونتائجه.
وكانت وزارة الخارجية التايوانية استدعت قبل أيام سفير هندوراس لديها للتعبير عن "استيائها البالغ" بشأن الزيارة التي "أساءت بشدة لمشاعر حكومتنا وشعبنا".
في غضون ذلك، حذر وزير الخارجية التايواني جوزيف وو هندوراس من "الوقوع في فخ الصين"، مضيفا في إشارة إلى حكومة هندوراس: "لقد طلبوا منا ثمناً باهظاً. لأننا لا نتنافس مع الصين في دبلوماسية الدولار، لذا فقد دخلت مرحلة صعبة للغاية، لكن جميع الزملاء في سفارتنا في هندوراس يعملون بجد وسيعملون بجد حتى اللحظة الأخيرة".
تداعيات القرار
بعد سويعات من القرار، قالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) إن الصين وهندوراس أقامتا علاقات دبلوماسية اليوم الأحد.
واتفق البلدان على تطوير العلاقات على أساس مبادئ الاحترام المتبادل للسيادة والسلامة الإقليمية.
يأتي هذا وسط تنامي الوجود الصيني في أمريكا الوسطى التي كانت قبل ذلك قاعدة راسخة لدعم تايوان، الأمر الذي يثير قلقا أمريكيا من اتساع نفوذ بكين في فنائها الخلفي.
ووصفت وزارة الخارجية الأمريكية قرار هندوراس قطع العلاقات مع تايوان بأنه قرار سيادي، لكنها قالت إن من المهم الانتباه إلى أن الوعود التي غالبا ما تقدمها الصين في مقابل الاعتراف الدبلوماسي لا تفي بها في نهاية المطاف.
وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية: "نحن نشجع بقوة جميع الدول على توسيع المشاركة مع تايوان ومواصلة الوقوف إلى جانب الديمقراطية والحكم الرشيد والشفافية والالتزام بسيادة القانون".
وأضاف المتحدث أنه "بغض النظر عن قرار هندوراس ستواصل الولايات المتحدة تعميق وتعزيز مشاركتنا مع تايوان بما يتماشى مع سياستنا طويلة الأمد تجاه (مبدأ) الصين الواحدة".
ماذا يعني القرار؟
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن قرار هندوراس يعتبر انتكاسة لجهود واشنطن لاستخدام نفوذها في أمريكا الوسطى للمساعدة في منع الصين من عزل تايوان على المسرح العالمي.
وقال لو يه تشونغ، الأستاذ بقسم الدبلوماسية في جامعة تشنغتشي الوطنية في تايبيه: "إنها بالتأكيد ضربة كبيرة، العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع الدول الصغيرة لا تزال ذات مغزى كبير لوضع تايوان الدولي".
وقال ميتش هايز، الخبير في علاقات الصين مع أمريكا اللاتينية ومدير شركة استشارية للمخاطر السياسية في نيويورك "من السهل على واشنطن أن تنزعج عندما تحول دول مثل هندوراس تحالفها من تايوان إلى بكين، لكنها تحتاج حقًا إلى فهم أنها استراتيجية عقلانية تمامًا لدولة صغيرة واقتصادات ناشئة للتعامل معها، يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من هذا في السنوات القادمة".
دفتر الشيكات
ولطالما انخرطت الصين وتايوان فيما وصفه بعض المحللين بـ"دبلوماسية دفتر الشيكات" لمغازلة الدول من خلال تقديم المساعدات والقروض، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
وقال جوزيف وو، وزير خارجية تايوان، في اجتماع للمجلس التشريعي يوم الخميس، إن هندوراس طلبت "سعراً باهظاً" من تايوان، فيما قال أنطونيو غارسيا، نائب وزير خارجية هندوراس، في مقابلة يوم الجمعة، إنه منذ سبتمبر/أيلول الماضي طلبت هندوراس قروضا بقيمة ملياري دولار على الأقل أربع مرات مختلفة خلال الاجتماعات وحفلات العشاء مع المسؤولين التايوانيين.
وأضاف غارسيا: "نحن لا نطلب أن تعطينا تايوان أي شيء بالمجان، سنقوم بتسديد المبلغ"، مشيرا إلى أن القرض كان سيُستخدم لسداد جزء من ديون البلاد.