تعز.. بوابة اليمن السياسية على طاولة المفاوضات الأممية
كيف ليمني أن ينسى حصار تعز وقد أحاط بها الحوثيون من كل الجهات، إلا من رئة كانت مهددة بالانسداد.
فهذه المدينة الواقعة على سفح جبل صبر البالغ ارتفاعه نحو 3 آلاف متر (جنوب)، تعد رمزية مكثفة لليمن المتوثب والمرهق بحرب مليشيات الحوثي بعد أن ظلت منذ 2016 خاضعة لحصار مشدد فرضه الانقلابيون.
آنذاك، أعاد الحوثيون "الحصار العسكري" كتكتيك من قرونه الوسطى بعد أن عجزت ترسانتهم وأد شرارة المقاومة التي فجرها قائد اللواء 35 مدرع العميد الركن عدنان الحمادي كأول قائد عسكري يقف في وجه المليشيات منذ اجتياح عمران والانقلاب على الشرعية.
طوق الحوثيون تعز من جهاتها الأربع لتحمل الشرعية ملف حصارها إلى مشاورات الكويت عام 2016، وإلى جنيف السويسرية 2018، وحضرت في اتفاق ستوكهولم أواخر ذات العام وأدرجت مؤخرا بموجب الهدنة.
ومع وصول وفد الشرعية إلى الأردن، الأربعاء، من المقرر أن تطلق الأمم المتحدة على الفور مفاوضات رفع حصار تعز بموجب الهدنة، وفق تصريح مقتضب لعضو الفريق الحكومي اللواء محمد المحمودي لـ"العين الإخبارية".
ويقلل مراقبون من حظوظ نجاح هذه المفاوضات، إثر تعنت مليشيات الحوثي لكنها قد تدفع ملف حصار تعز للمرة الأولى إلى رأس أولويات تدخل المجتمع الدولي والأمم المتحدة لإيجاد عملية سلام لليمن.
الطرقات أولوية
في تصريحات سابقة لرئيس الوفد الحكومي لـ"العين الإخبارية"، عبدالكريم شيبان، قال إن مفاوضات الأردن ستركز على فتح الطرق التي يغلقها الحوثيون إلى جانب الماء والكهرباء التي يقطعها الانقلابيون كجزء من الحصار.
كما يمنع الحوثيون خروج أطنان القمامة اليومية ما تسبب بانتشار الحميات وتدهور المنظومة الصحية.
بالنسبة للحكومة اليمنية فيكتسب فتح الطرقات أولوية قصوى، كون ذلك يعني حياة 5 ملايين نسمة تقول إنهم يستوطنون المحافظة التي تضم 23 مديرية وتعد بمثابة همزة وصل بين شمالي وجنوبي البلد.
ويسيطر المجلس الرئاسي بشكل شبه كلي على نحو 16 مديرية بما فيه باب المندب والمخا على البحر الأحمر وتقع مديرية واحدة على الحياد، فيما يسيطر الحوثيون على 6 مديريات محيطة بمدينة تعز وتشكل على نحو رئيس الجزء الشمالي والشرقي ونصف الغربي.
وكان الحوثيون يغلقون كل الطرقات إلى تعز قبل أن يتم كسر الحصار بشكل جزئي وفتح منفذ "الضباب" (غرب) عقب معارك طاحنة 2016، وهي تصل عبر منحدر خطر يعرف بـ"هيجة العبد" إلى العاصمة المؤقتة عدن.
في ذات الجهة، لازال يغلق الحوثيون المدخل الغربي الرئيس للمدينة من بلدة "مصنع السمن والصابون"، وهو طريق يربط المديريات الساحلية كالمخا على البحر الأحمر ويصل المحافظة بمحافظة الحديدة.
ويبلغ طول الطريق الواصل من مدينة تعز إلى المخا بنحو 65 كيلومترا وكان يستغرق من السيارات ساعة واحدة فقط، لكن بعد الحصار الحوثي بات المدنيون يقضون نحو 10 ساعات للتنقل من الساحل إلى عاصمة المحافظة أو العكس عبر سيارات الدفع الرباعي فقط.
المدخل الشرقي، أو "طريق القصر" هو أهم منفذ بالنسبة لأبناء تعز، لأنه يربط مدينة تعز بضفتها الأخرى "الحوبان"، والتي كان الوصول إليها لا يحتاج 15 دقيقة إلا أنه بعد الحصار الحوثي وعبور طرق جبلية ملتوية ووعرة وضيقة صارت المسافة تصل لأكثر من 8 ساعات.
يصل هذا المدخل بطرق فرعية عدة منها تربط المحافظة بمحافظات لحج - عدن وأخرى تربطها بمحافظتي إب و ذمار وصولا إلى العاصمة صنعاء الواقعة على بعد حوالي (256) كيلومترا.
وهناك منافذ أخرى شمالا وجنوبا جميعها يغلقها الحوثيون وقد تحولت إلى غابات للأشجار، بحسب سكان محليين لـ"العين الإخبارية".
أبرز هذه المنافذ وفق السكان، المنفذ الشمالي "شارع 40”، والشمالي الشرقي يصل إلى أحياء "كلابة"، ومنفذ "غراب" ويصل إلى شارع الـ"60" وكانت تعد ممرات إلى مناطق وأحياء ذات كثافة سكانية كبيرة.
طيلة 7 أعوام ونصف، تنامت في هذه الطرقات حواجز جبايات مالية عدة، يتقاسمها الحوثيون إلى جانب نافذين في المحور العسكري الخاضع للإخوان وتجني ملايين الريالات يوميا وباتت أحد أخطر اقتصاد الحرب المزدهرة، وفقا للمصادر.
وفي واحدة من جرائم المنافذ الذي حطمه المدنيون "معبر الموت" في وادي الدحي والذي مارس منه الحوثيون 2015 و2016 أبشع الجرائم قبل أن يتم تحرير المنطقة وشيد المدنيون مجسما مقيدا بالسلاسل لتخليد جرائم الحوثيين وحصارهم الوحشي لتعز.
حصار تعز قانونيا.. وجرائم الحوثي
رغم أن القانون الدولي الإنساني لم يجرم صراحة الحصار العسكري، إلا أن نهج الحوثيين يتعارض مع العديد من قواعده إثر عزل المدنيين وممارسة جرائم "العقاب الجماعي" وحرب "التجويع الجماعية أيضا".
حيث أصبح الوضع الإنساني لا يطاق وخلفت جرائم المليشيات خسائر فادحة في صفوف المدنيين، كما استخدم الحوثيون آلاف المدنيين شرقي تعز دروعا بشرية.
كما مارس الحوثيون على نحو وحشي جرائم "ترهيب المدنيين" المحظورة بموجب القانون الدولي، من خلال هجمات يومية على الأحياء السكنية تسببت بمجازر دموية.
ووفقا لآخر التقارير الحقوقية فقد تعرض 3 آلاف و590 مدنيا للقتل منذ 2015 وحتى الشهر الماضي، من بينهم 761 طفلا و347 امرأة، وإصابة 13736 آخرين بينهم 3155 طفلا و1180 امرأة.
كما تسببت جريمة الحصار الجماعي للحوثيين في وفاة 500 مريض بالسرطان خلال عام واحد فقط وهو 2015، فيما يصارع 200 مريض يعانون الفشل الكلوي الموت يوميا في الطرقات إثر صعوبة تنقلهم من منازلهم إلى قلب المدينة المحاصرة حيث المستشفيات الحكومية.
كذلك دمر الحوثيون أكثر من 5 آلاف منزل ومنشأة حكومية وخاصة في ريف ومدينة تعز إثر هجمات متعمدة أو تفجيرها بالألغام والعبوات كسياسية لترهيب السكان.
بوابة سياسية قديما وحديثا
كانت تعز تعرف قديما بـ"ذي عدينة"، ويسميها الكثيرون "الحالمة" وتعد عاصمة البلاد الثقافية، إذ يعود تاريخ تشيدها للقرن الـ6 هجريا، لدى بناء قلعة القاهرة إلا أن أخصائيي الآثار مؤخرا أرجعوا تشييد المدينة وقلعتها إلى الدولة الحميرية اليمنية القديمة قبل الإسلام.
وتعد أكثر مناطق اليمن اعتدالاً في المناخ طوال العام، وتحظى بنصيب الأسد من الأمطار بمعدل سنوي 600 مليمتر، ومن أشهر معالمها "باب موسى" و"الباب الكبير" ومدرسة "المظفر" و"مسجد الاشرفية".
كانت تعز عاصمة اليمن في القرون الوسطى إبان الدولة الرسولية، وظلت طيلة 8 قرون مضت بين عاصمة أو طريق إلى الحكم شمالا وجنوبا ومنها مر "عبدالرحمن الإرياني" و"سالم ربيع" و"عبدالفتاح اسماعيل" و"علي ناصر محمد" وحتى "علي عبدالله صالح".
وحاليا لا تزال تعز رغم حصارها حوثيا واختطافها إخوانيا، البوابة السياسية للحكم وقلعة الأحزاب السياسية ورقم صعب في معادلة اليمن ومنها ينتمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ورئيس البرلمان اليمني سلطان البركان ورئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك.