حصار تعز.. أول اختبار إنساني للهدنة الأممية باليمن
منذ 2016، يناور الحوثيون بالقضايا الإنسانية للهروب من استحقاقات السلام، إلا أنهم يرفضون فتح شريان إنساني إلى تعز، كبرى مدن اليمن كثافة.
ويعد الحصار العسكري للحوثيين على مدينة تعز (جنوب) منذ 7 أعوام، أهم الملفات الإنسانية الشاهدة على إجرام المليشيات الانقلابية، وأول اختبار فعلي أمام المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بعيد دخول الهدنة حيز التنفيذ باليمن.
ويبدو أن مليشيات الحوثي ستمارس سياستها الدائمة في تجزئة القضايا الإنسانية لتحقيق غايتها ومراميها وأهدافها السياسية، وذلك من خلال إبقاء حصار تعز على طاولة المرواغة، فيما تضغط لفتح دون رقابة لمطار صنعاء وميناء الحديدة المفتوحين أصلا للأغراض الإنسانية.
وعرقلت مليشيات الحوثي بشكل متكرر جهود الأمم المتحدة لفتح الممرات والطرقات إلى مدينة تعز، كان آخرها تفاهمات تعز بموجب اتفاق ستوكهولم، والذي وافق الانقلابيون عليه قبل أن يتنصلوا عن تعهداتهم.
وأمس الجمعة، أعلنت الأمم المتحدة موافقة الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي على مقترح يتضمن هدنة مدتها شهرين، تبدأ عند الساعة السابعة مساء اليوم السبت.
كما يشمل المقترح إجراءات إنسانية خاصة بـ"دخول سفن المشتقات النفطية إلى الحديدة، وتسيير رحلات محددة من وإلى مطار صنعاء، والبحث في فتح الطرقات في تعز ومحافظات أخرى".
ومن المقرر فور سريان الهدنة أن يبدأ المبعوث الأممي إلى اليمن في الترتيب لاجتماع مع مليشيات الحوثي والحكومة المعترف بها دوليا بشأن حصار تعز الذي يفرضه الانقلابيون، لتخفيف مأساة إنسانية هي الأكبر في تاريخ اليمن.
وكانت الحكومة اليمنية استبقت إعلان المبعوث الأممي للهدنة في البلاد بالإعلان عن السماح بدخول سفينتين للوقود إلى ميناء الحديدة الخاضع للمليشيات الحوثية.
ورحبت لاحقا في بيان بالهدنة و"بالترتيبات الإنسانية فيما يتعلق بمطار صنعاء والتسهيلات الإضافية في ميناء الحديدة وفتح المعابر في مدينة تعز المحاصرة من قبل مليشيات الحوثي منذ أكثر من سبعة أعوام".
وتعز هي كبرى مدن اليمن من حيث الكثافة السكانية وتحاصرها مليشيات الحوثي عبر قطع كل الطرقات والخطوط الرئيسية إلى قلب هذه المدينة، التي تعد عاصمة ثقافية للبلاد، ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني والمعيشي لملايين اليمنيين.
القضايا الإنسانية لا تتجزأ
وترفع مليشيات الحوثي يافطة الموانئ والمطارات باعتبارها منافذ إنسانية لكنها تتجاهل أكبر جرائمها الجماعية الإنسانية، للضغط على الأمم المتحدة لتمرير اشتراطات تصب في صالح شرعنة الانقلاب بدرجة رئيسية.
وعلق مستشار الرئيس اليمني عبدالملك المخلافي على موقف مليشيات الحوثي على الهدنة الأممية والإجراءات الإنسانية، بالتأكيد على أن "باب السلام يُفتح والفرصة السانحة يجب ألا تضيع".
كما أكد المخلافي في تدوينة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، تابعتها "العين الإخبارية"، أهمية أن تدرك مليشيات الحوثي "أن القضايا الإنسانية لا تتجزأ وحصار تعز جزء من القضايا الإنسانية".
وهذا ما ذهب إليه الإعلامي والناشط السياسي عبدالسلام القيسي في تصريح لـ"العين الإخبارية"، قائلا إن "الطريق حق إنساني لا يجب أن يستخدم كورقة سياسية وعسكرية، وعلى المبعوث الأممي إلى اليمن أن يعي أن القضايا الإنسانية لا تتجزأ وأن حصار تعز أكبر قضية إنسانية يجب وضع حد لها".
وأوضح أن المليشيات الحوثية سوف تناور وتراوغ في ملف تعز الإنساني، ولن ترفع الحصار أو حتى تفتح ممرا إنسانيا واحدا، حيث سبق وعطلت التفاهمات بموجب اتفاق ستوكهولم وجهود محلية على مستويات عالية، وعلى الحكومة اليمنية أن تتمسك برفع الحصار كأولوية.
وأضاف أن "مليشيات الحوثي ترفع دوما القضايا الإنسانية في كل مرحلة حوار أو تفاوض، بهدف نسف المبادرات والمقترحات وتكريس توافقات بمكاسب جديدة لصالح أهدافها، لكنها في الوقت ذاته تفاقم معاناة الملايين في الداخل من خلال إغلاق الطرق وفرض الحصار الجائر".
وأشار إلى أن جهود المبعوث الأممي إن لم تحرز اختراقا كمنفذ إنساني في "الحزام الناري الحوثي الذي يحوط تعز من جولة القصر شرقاً من الستين الشمالي شمالا ومن مصنع السمن والصابون غرباً"، فسوف تذهب الهدنة لخدمة أهداف المليشيات من خلال إضفاء مشروعية الحركة بمطار صنعاء بات منصة تهديد إقليمية.
ولفت أن "حصار مليشيات الحوثي حول السفر من مدينة تعز إلى أريافها أو إلى المحافظات المجاورة من حق إنساني بديهيا وفق القانون الدولي الإنساني إلى أمنية مستحيلة، ومن المؤسف أن يستمر الصمت الأممي عن جريمة كهذه".
أحدث الجرائم
طيلة 8 أعوام من عمر الانقلاب مارست مليشيات الحوثي أبشع الجرائم في تعز قبل أن تفرض حصارها العسكري ضمن تكتيك عسكري يستهدف إخضاع جماعي للسكان المناهضين لمشروعها الدموي.
سجل "مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان"، منظمة حقوقية غير رسمية، 141 حالة انتهاك طالت المدنيين في محافظة تعز خلال شهر فبراير الماضي 2022 ارتكبتها مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا.
ووفقا للتقرير فإن قصف مليشيات الحوثي للأحياء السكنية بالقذائف المدفعية والقنص المتعمد لسكان تعز تسبب بسقوط نحو 43 قتيلا وجريحا على الأقل، بينهم 9 نساء و11 طفلا.
وقال التقرير الشهري المعنون بـ"قرية العنين.. الأرض المحروقة" إنه وثق مقتل 8 مدنيين بينهم 3 نساء، وإصابة 35 مدنيا آخرين بالقذائف المدفعية الحوثية ورصاص قناص تابع للمليشيات الإرهابية.
ونبه إلى وقوع 3 مجازر دموية ارتكبتها مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا، اثنتين منها راح ضحيتها مدنيين اثنين وأصيب 18 مدنيا آخرين بينهم امرأتان و3 أطفال.
وأشار إلى تضرر مستشفى "الحياة" إثر قصف مليشيات الحوثي العشوائي، كما هاجمت 38 منزلا تعرض منها 9 منازل للتدمير الكلي و17 منزلا لدمار جزئي، فيما أحرقت وفخخت واقتحمت واستولت على ما تبقى من المنازل.
وبحسب التقرير، وصل لـ"العين الإخبارية" نسخة منه، فإن مليشيات الحوثي قامت بتهجير عشرات الأسر من سكان بلدة "الحصب" بمديرية مقبنة وأرغمتهم على ترك منازلهم والنزوح منها، فضلا عن نزوح 45 أسرة من مناطق أخرى في تعز خلال فبراير/شباط الماضي.
واستشهد التقرير بانتهاكات مليشيات الحوثي في بلدة "العنين" في بلاد الوافي بجبل حبشي غربي تعز، والتي حولتها المليشيات لأرض محروقة بقصفها الممنهج والمكثف بمختلف الأسلحة الثقيلة.
وأشار إلى أن مليشيات الحوثي تستميت بالسيطرة على البلدة ذات الموقع الاستراتيجي التي ترتفع على قرى جبلية وتطل على بلدتي "الرمادة" و"هجدة"، والطريق الرئيسية بين محافظتي تعز والحديدة، وسط صمود الأهالي، ما جعلها هدفا مستمرا للقصف الحوثي الانتقامي حتى غدت الحرائق تلتهم القرى والمنازل.
وأوضح التقرير أن جرائم مليشيات الحوثي تعدت من تقسيم مساحات واسعة من البلدة وزرعها بالألغام إلى تنصيب القناصة، التي تستهدف أبناءها عند تحرّكاتهم، حتى خلال تشييع الموتى إلى مقبرة المنطقة.
وكان المبعوث الدولي لليمن هانس غروندبرغ قطع أكثر من 180 كيلومترا عبر طرق جبلية وعرة للوصول إلى تعز المحاصرة من قبل الحوثيين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وذلك في أول زيارة لمسؤول أممي رفيع المستوى إلى هذه المدينة منذ الانقلاب أواخر 2014.
وشهد العام الماضي سلسلة من المجازر الدموية للحوثيين في تعز أسفرت عن مقتل وإصابة 585 مدنيا، غالبيتهم سقطوا في هجمات مدفعية مباشرة للمليشيات استهدفت القرى والأحياء المدنية في تعز والتي تشتهر بـ"المدينة الحالمة".
aXA6IDMuMTQ1LjkxLjE1MiA= جزيرة ام اند امز