أزمة قرغيزستان وطاجيكستان.. لماذا لم تتدخل روسيا والصين؟
قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن الاشتباكات بين قرغيزستان وطاجيكستان كشفت عن عدم اهتمام روسي صيني ببعض الدول في آسيا الوسطى.
والشهر الماضي، تبادل جنود من قرغيزستان وطاجيكستان إطلاق النار على طول عدة نقاط من الحدود غير المرسومة بين البلدين.
وبعد توقف وجيز لإطلاق النار، استؤنف القتال العنيف وتصاعد من المناطق الحدودية إلى أراضي قرغيزستان، ليضرب المناطق النائية من منطقة أوش. ودمر جيش طاجيكستان جسرا يمتد عبر نهر أك سو، ومناطق سكنية، وشركات.
وبعد ذلك، بحسب "فورين بوليسي"، احتل الجيش الطاجيكي ورفع العلم على مدرسة حكومية بقرية دوستوك في مقاطعة باتكين. كما قصفت قرغيزستان المناطق الحدودية لطاجيكستان.
ويعد الصراع أحد أخطر التصعيدات العسكرية في تاريخ آسيا الوسطى منذ تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991. ومن جانب قرغيزستان، سقط ما لا يقل عن 62 مدنيا وضابطا عسكريا قتلى، وأصيب 198 آخرون، فيما نزح حوالي 136 ألفا للداخل.
وأكدت السلطات الطاجيكية مقتل 41 بين المدنيين والقوات العسكرية. فيما أدانت وزارة الشؤون الخارجية في قرغيزستان طاجيكستان لارتكابها عملا حربيا، وزعمت أن العدوان كان متعمدا ومخططا له. وألقت وزارة الشؤون الخارجية في طاجيكستان اللوم على قرغيزستان في العدوان وانتهاك مبادئ القانون الإنساني الدولي.
وبحسب التحليل، يكشف الصراع أيضًا حدود المنظمات الأمنية الإقليمية التي تقودها كل من روسيا والصين في آسيا الوسطى حيث اشتبك البلدان عندما كانت الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى مجتمعة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان – على بعد 200 ميل فقط من الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان.
وكان كل من رئيس طاجيكستان إمام علي رحمن، ونظيره القرغيزي، صدير جاباروف، حاضرين بالقمة، التقيا مع الرئيس الصيني شي جين بينج والروسي فلاديمير بوتين أثناء وقوع الاشتباكات. وناقش الصراع الرئيسان الطاجيكي والقرغيزي خلال فعالية على هامش القمة ولكن ليس كأولوية.
ويكشف تردد منظمة شنغهاي للتعاون في حل الصراعات بين أعضائها كيف أنها تقتصر على تعزيز المصالح الأمنية للصين في المنطقة. وتهتم بكين في الأساس بالأنظمة القوية في آسيا الوسطى التي ستدعم مبادرتها الحزام والطريق في المنطقة، وقد أوضحت أن أعضائها من آسيا الوسطى يجب أن يجدوا منابر أخرى لحل النزاعات الإقليمية البينية، بحسب المجلة الأمريكية.
وبالمثل، فإن كلا من قرغيزستان وطاجيكستان أعضاء بمنظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، والتي اختارت تاريخيا عدم التدخل في الصراعات بين أعضائها. والمرة الوحيدة التي تحركت فيها بشكل موحد ونشرت قوات إلى أراض أحد الدول الأعضاء، كانت لقمع التظاهرات في كازاخستان في يناير/كانون الثاني.
وعندما اشتبك الجيشان القرغيزي والطاجيكي في أبريل/نيسان عام 2021، كانت المنظمة تعقد قمة في العاصمة الطاجيكية دوشنبه. ولم تذكر المنظمة الأمر.
وردًا على الاشتباكات الأخيرة، عرضت منظمة معاهدة الأمن الجماعي الوساطة بين بيشكيك ودوشنبه. لكن على الأرجح مثل البيان نهج الكرملين، وليس المنظمة، تجاه الصراع، ومصلحته في وقف المزيد من زعزعة الاستقرار.
وأشار التحليل إلى أن روسيا ليست مهتمة بآسيا وسطى موحدة بدون رعايتها، لكنها لا تريد أيضًا رؤية المنطقة تتحول إلى مصدر لعدم الاستقرار على طول حدودها الجنوبية. وعلى عكس القتال المتجدد بين أرمينيا وأذربيجان، الذي يعزى على نطاق واسع إلى ضعف روسيا، فإن العدوان في آسيا الوسطى مدفوع في الغالب بعوامل محلية.
وإذا كان الرئيس الروسي لا يزال يلعب دورًا في الصراع، فهو من موضع قوة وليس ضعفا. ويتمثل الشعور في قرغيزستان في أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي لم تستطع تفادي عدوان رحمن بسبب علاقاته الوثيقة مع الكرملين. وطوال فترة الحرب الروسية في أوكرانيا، ظل رحمن مخلصا لبوتين، واستضافه في يونيو/حزيران في دوشنبه.
ويخشى البعض في قرغيزستان من أن حيادية بلدهم حيال الحرب الروسية في أوكرانيا هي السبب الجذري في دعم بوتين القوي لطاجيكستان.
وأشار التحليل بـ"فورين بوليسي" إلى أن التصعيد على طول الحدود القرغيزية الطاجيكية ليس جديدا؛ حيث اندلعت اشتباكات صغيرة على طول الحدود بشكل منتظم، كان أعنفها في أبريل/نيسان عام 2021، حيث قتل عشرات المدنيين وأصيب المئات.
وتلعب كثير من العوامل دورها، بحسب التحليل، حيث أنتج الترسيم السوفيتي للحدود الوطنية في وادي فرغانة عن جغرافيا معقدة. ومن الحدود الممتدة على مسافة حوالي 600 ميل بين طاجيكستان وقرغيزستان، تم ترسيم نصفها فقط. وهناك نقطتان معزولتان طاجيكتان، فوروخ وكيراجيك، في قرغيزستان، تسهمان في التوترات بين البلدين.
لكن تمتد جذور المشكلة الحقيقية إلى السياسة الحديثة: في كل من قرغيزستان وطاجيكستان، يستخدم القادة التوترات الحدودية من أجل مصلحتهم السياسية الداخلية، بحسب فورن بوليسي.
ورغم اختلاف النظامين اختلافا جذريا – حيث النظام في طاجيكستان أوتوقراطي للغاية وفي قرغيزستان شعبوي – تبنى كلاهما نهجا شعبويا تجاه المنطقة الحدودية بدلًا من محاولة التفاوض على التعايش السلمي من أجل السكان المحليين.
ووعد جاباروف بحل المشاكل الحدودية لترسيخ الدعم قبل الانتخابات الرئاسية عام 2021، في حين استخدم رحمن الخطاب التوسعي لتوحيد الأمة حول نظامه.
ومن جانب طاجيكستان، كان النظام يستحوذ على ذخيرة ويتلقى تدريبات عسكرية من روسيا والصين وإيران. ومولت وزارة الأمن العام الصيني إطلاق قاعدة عسكرية جديدة في طاجيكستان للتصدي للتهديدات من أفغانستان، وفتحت إيران منشأة إنتاج لإنتاج مسيرات "أبابيل-2" التكتيكية.
وبمشاركتها في حدود طويلة مع أفغانستان، كانت طاجيكستان تتلقى أيضًا مساعدات أمنية كثيفة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتدعم الحكومة الأمريكية طاجيكستان بالأسلحة التكتيكية والتدريبات العسكرية.
كما تتلقى قرغيزستان مساعدات أمنية من الولايات المتحدة، لكن تركز معظم البرامج على بناء الديمقراطية.
وحكم رحمن طاجيكستان لحوالي ثلاثة عقود، منذ الحرب الأهلية في التسعينيات. وسجن جميع أفراد المعارضة، أو أجبرهم على الخروج من البلاد، أو قتلهم. ويقال إنهم يخطط لنقل السلطة إلى ابنه، بحسب المصدر ذاته.
ويساعد تصعيد الصراع مع قرغيزستان بحجة حماية الحدود وعرقية الطاجيك في ترسيخ السيطرة على الجيش ومسؤولي الدولة من أجل الخلافة الوشيكة.
وفي قرغيزستان، تأسست القيادة حديثا وهي أقل استبدادية. وتمكن جاباروف وحليفه المقرب كامشيبيك تاشييف رئيس لجنة الأمن القومي، من الفوز في الانتخابات المثيرة للجدل أول 2021 ببرنامج شعبوي.
ولا تريد أي من الصين أو روسيا تزايد انعدام الاستقرار في آسيا الوسطى، حتى لو انطوت على دول صغيرة مثل قرغيزستان وطاجيكستان، وكلتاهما مثقلة بالديون للصين. وكلتاهما لديه أيضا مئات الآلاف من العمال المهاجرين الذين يعملون في روسيا.
ومع ذلك، وحتى مع النفوذ الاقتصادي القوي، لا يمكن لأي من البلدين تقديم ضمانات أمنية للصراعات في آسيا الوسطى. وبدلًا من ذلك، كشفت الاشتباكات عجز منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي في منع تصعيد التوترات بين الدول الأعضاء.
aXA6IDMuMTQ1LjEwOS4yNDQg جزيرة ام اند امز