طالبان ووسائل التواصل.. أفغانستان في رسائل "مخادعة"
خرج الأمريكيون من أفغانستان لكنهم تركوا لطالبان منصات ترويجية استخدمتها الحركة في إطار تكتيكات مرتدة لا تخلو من خداع.
فالحركة التي لم يكن مسلحوها يعرفون في سنوات ما بعد التدخل الأمريكي في أفغانستان العام 2001 سوى القتال أو الاستعداد له، باتت متناغمة بل في قلب تكنولوجيا متأتية من نفس الغرب الذي كانت تقاتله قبل أن تحاول اليوم مهادنته عبر المنصات ذاتها.
تغيرت إحداثيات المشهد في أفغانستان بشكل جذري، وعادت طالبان إلى الحكم مستنسخة سيناريو 1996، لكن ما بين التاريخين تمتد سنوات ضوئية من الفوارق الكامنة في تفاصيل حركة تتماهى صورتها في أذهان معظم الأفغان والعالم مع التطرف والدم.
فالفيديوهات التي انتشرت من العاصمة الأفغانية كابول بعد الدخول الأخير للحركة يمنح انطباعا بأن عناصرها يمتلكون ذات الشغف باستخدام مواقع التواصل مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب، بل تعدى الأمر إلى مستوى القيادة التي يبدو أنها قررت الاستفادة من إرث "الغزاة" واستخدامه منصة للترويج والأهم لتلميع صورة الحركة لدى الغرب، أملا بالحصول على شرعية دولية تظهرها كحكومة فعلية لأفغانستان.
دخلت الحركة لعبة التواصل من بابها الكبير، وكشفت عن وجه المتحدث باسمها خلال مؤتمرها الأول المنعقد الثلاثاء، وتعهدت بـ"رفع السرية" عن قادتها، مقدمة بذلك عربون حسن نية للغرب سواء للمستوى السياسي فيه، أو لمواقع التواصل نفسها التي وجدت نفسها في موقف غير مريح بمواجهة الحسابات التي بدأت طالبان باستخدامها لبث رسائلها وإثبات شرعيتها.
تكتيك مخادع
تكتيك معقد ومخادع في أحيان كثيرة كما يصفه مراقبون تتبناه طالبان في وقت بدأت فيه "الانتهاكات الإلكترونية" تطفو للواجهة، مع كشف تقرير لمنظمة العفو الدولية أن الحركة قطعت خدمة الهاتف المحمول في العديد من المناطق التي استولت عليها مؤخرا.
التقرير الحقوقي قال إن طالبان مارست تعتيما على الوضع في عدد من المناطق، وعلى فظاعات ارتكبت، وتحكمت بالصور ومقاطع الفيديو التي تمت مشاركتها من تلك المناطق، ما جعل محللين يؤكدون أن الحركة لم ولن تتغير كثيرا في نهجها السابق المبني على التطرف.
انتهاكات تبرز بعد يومين فقط من تقديم الحركة خلال مؤتمرها الصحفي الأول حزمة من الوعود بدولة تقدمية خاضعة لدستور وضعي وتنعم بحرية الصحافة ويكون فيها للمرأة دور بالحياة السياسية، ما يعقد من قدرة الشركات المالكة لمواقع التواصل على اتخاذ القرار المناسب حيال الحركة وحساباتها؛ فهل تتعامل معها باعتبارها الحكومة الرسمية لأفغانستان أو تعزلها بسبب تاريخها في العنف والقمع استنادا إلى تصنيف واشنطن لها؟، وهذه المعضلة نفسها التي تواجه معظم الحكومات.
وبقدر ما تحاول الحركة إظهاره من تغيير فكري جذري يستهدف طمأنة الغرب، إلا أن مواقع التواصل لا تزال على نفس موقفها؛ فيسبوك يستمر في إزالة حساباتها ومنشوراتها في إطار سياسته المتواصلة منذ سنوات تجاه الحركة التي يعتبرها من "المنظمات الخطيرة".
أما موقع يوتيوب فقال إنه سيحذف الحسابات التي يعتقد أن الحركة تديرها، فيما لم يبد "تويتر" أي حظر أو نية له، لكنه أكد في الآن نفسه أن أي منشورات أو مقاطع فيديو يجب أن تمتثل للقواعد التي تحظر ما يعتبره خطاب كراهية أو تحريضا على العنف.
في الأثناء، تتعامل طالبان مع مواقف مواقع التواصل بدهاء، فهي تحافظ على حسابات مرتبطة بالعديد من المنصات، حتى تضمن استمرار تواصلها مع الأفغان والعالم في حال قررت أي شركة اتخاذ قرارات ضدها.
دارين لينفيل، خبير الإعلام بجامعة كليمسون الأمريكية، أوضح أن العديد من حسابات طالبان يديرها أفراد قد تكون وظيفتهم الأساسية هي إدارة وسائل التواصل الاجتماعي".
وأضاف لينفيل، في تصريحات لصحيفة "واشنطن بوست"، أن "تلك الحسابات لا يديرها قادة طالبان أو عناصرها، بل أفراد يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الإنترنت طوال الوقت بواسطة أجهزة سطح المكتب والأجهزة المحمولة بالإضافة إلى امتلاكهم مهارات جيدة في اللغة الإنجليزية".
وعموما، يبدو أن طالبان لعبت على وتر الاستفادة من النقص الذي تعانيه أفغانستان والمنطقة عموما من وسائل الإعلام والتثقيف الإعلامي، واستخدمت وسائل التواصل التي لا تتطلب بنية تحتية متطورة أو خبرة إعلامية، وتجاوزت الموارد المحدودة في هذا الإطار، بالنشر والمشاركة المكثفة عبر الإنترنت، وهذا ما جعلها تبرز أكثر من الحكومة الأفغانية نفسها، ومنحها بالتالي فرصة لتمرير رسائلها.
ما يريده الغرب
أحدث البيانات تشير إلى أن الجمهور المستهدف لطالبان هم في الواقع خارج أفغانستان، وذلك لعدة أسباب أبرزها أن الأفغان ضحية بنية تحتية إعلامية مهترئة وضعيفة، ما يجعل منهم عنصرا غير فاعل في المعادلة الدولية من حيث تأثير الشعوب على السياسة الداخلية، والعامل الأخير يحدد في الغالب تعامل الغرب مع الأحداث في أفغانستان.
كما أن الحركة تستفيد من ضعف البنية الإعلامية والتكنولوجية عموما في أفغانستان من حيث الصعوبة التي يواجهها مدققو الحقائق في التصدي بفعالية للتصريحات الكاذبة الصادرة عنها، ما يفتح أمامها جميع المنافذ لإقناع الخارج بدعايتها وروايتها وأخذها على أنها الحقيقة.
اللافت أيضا في سياسة طالبان هو أنها تنشر رسائلها عبر الإنترنت بشكل منتظم ولغات متعددة بينها الإنجليزية والعربية والباشتو والأردية، في محاولة للإيحاء بانفتاحها وبأنها لم تعد تلك الحركة المنغلقة على نفسها.
صورة جديدة تقدمها طالبان وإيقاع مختلف تحاول عزف نوتاته للغرب، وهي التي باتت حركة خبيرة في التعامل مع الآخر القابع وراء الحدود، تماما كما خبرت مواجهته في الجبال لسنوات طويلة، وها هي اليوم تروج لقطيعة مع نهجها المتطرف، وتصدر إيمانها بالقوانين الوضعية التقدمية، لتسرب بين السطور آمالا بدولة مدنية متقدمة، وهذا بالضبط ما تريد واشنطن والمجتمع الدولي سماعه في انتظار منحها صك الشرعية.
لكن ما ينغص على الحركة نصرها الافتراضي والواقعي هي التقارير الحقوقية التي تتسرب تباعا لتكشف حجم النشاز بين ما تعلنه وما تفعله على الأرض، حيث ذكر تقرير منظمة العفو الدولية أن عناصر طالبان قتلوا 9 رجال من عرقية "الهزارة" بعد أن سيطروا على إقليم غزنة في أفغانستان الشهر الماضي.
ووفق التقرير، تحدث باحثون ميدانيون إلى شهود عيان قدموا روايات مروعة عن عمليات قتل وقعت بين 4 و6 يوليو/ تموز الماضي في قرية مندراخت بمديرية مالستان، حيث قُتل 6 أشخاص بالرصاص، وتعرض 3 للتعذيب حتى الموت، فيما رجحت المنظمة الحقوقية أن تشكل عمليات القتل الوحشية هذه جزءا صغيرا من محصلة أكبر تسببت فيها طالبان حتى الآن.
aXA6IDE4LjExNi44OS44IA== جزيرة ام اند امز