فيلم "البدلة".. صدارة الإيرادات لا تعني بالضرورة فيلما جيدا
إيرادات أفلام العيد لم تكشف طوال تاريخها عن جودة العمل الفني، خاصة الأعمال الكوميدية، حيث يبحث جمهور الأعياد عن الضحك فقط.
أكثر من مأزق وقع فيه صناع وأبطال فيلم "البدلة" أحد الأفلام التي تتنافس على إيرادات موسم عيد الأضحى انطلاقا من كونه فيلما كوميديا يلعب بطولته نجم غنائي كبير مثل تامر حسني برفقة الكوميديان أكرم حسني الذي فرض نفسه مؤخرا على الساحة الفنية.
المأزق الأول الذي وضع تامر حسني نفسه فيه باعتباره مقتبس فكرة الفيلم من آخر أجنبي، هو المقارنة نفسها التي وضع نفسه فيها مع أبطال الفيلم الأصلي let’s be cups، الذي أنتج عام 2014 وأخرجه لوك جرينفيلد، حيث يتجاوز الأمر مجرد التشابه والاقتباس إلى حد النقل بالمسطرة من مشاهد بعينها، حتى الملصق الدعائي والإعلان التشويقي، وصولا للفكرة التي تدور حول تلقي البطل دعوة لحضور حفلة تنكرية، يتضح أنها ليست كذلك فيما بعد، فيقرر وصديقه ارتداء زي رجال شرطة، ما يتسبب في وقوعهما في أزمات لانتحالهما صفة رسمية، ومفارقات مع العصابات والإرهابيين.
المأزق الثاني للفيلم المصري الذي كتب له السيناريو والحوار أيمن بهجت قمر وأخرجه محمد جمال العدل، عدم وجود منطق يحكم السيناريو عكس الفيلم الأمريكي الأكثر انضباطا وإحكاما، حيث لا نفهم لماذا تظهر شخصية أكرم حسني بكل هذا الضعف والانسحاق أمام ابن شقيقته (تامر حسني) حتى لو تقارب السن بينهما، ولماذا يصر على المضي في لعبة لم تجلب له سوى المتاعب دون أي منفعة، وما سر كل هذا الغباء حتى لو كنا أمام كوميديا من النوع "الفارس" التي هدفها الضحك لمجرد الضحك.
عدم المنطقية والاستسهال يمتد لكل تفاصيل الفيلم وشخصياته بما في ذلك مواقف المجرم "ماجد المصري" الذي يقوم بعملية قنص غاية في الدقة يليها حرق سيارة بطلقة في خزان الوقود وهو يمضغ "العلكة" على طريقة الأفلام الأمريكية، في حين نراه يسقط بمنتهى البساطة أمام اثنين من البلهاء اللذين يوقعان به، ولا يكتفيان بذلك وإنما يصطحبانه للمنزل ويغيران له ملابسه ويقومان بإطعامه اعتقادا منهما أنه رجل فقير وهو ما يخالف في الأساس هيئته ولهجته التي يبررها لهما بعمله في سفارة الأرجنتين.
المأزق الثالث في هذا الفيلم الاستخفاف الذي تعامل به السيناريو بهدف عدم كشف الشرطة لانتحال بطل الفيلم وصديقه شخصيتي ضباط رغم تجولهما طوال أحداث الفيلم في الشوارع بحرية واضحة لدرجة أنهما يمارسان دور شرطة المرور في عدة مشاهد تتسم بثقل الظل والافتعال.
تامر حسني يكرر إفيهاته ولزماته وسخريته في مشاهد مكررة تتجاوز أحيانا اللياقة اللفظية والحركية، بينما يقدم أكرم حسني خليطه المعتاد من الكوميديا الجسدية واللفظية التي عادة ما يؤلف لزماتها بشكل شخصي كما في شخصية "سيد أبو حفيظة".
شخصية أمينة خليل الشريكة الرومانسية لتامر باهتة جدا أمام "بدلة البطل" منذ الوهلة الأولي، وتظل مستسلمة له حتى المشهد الأخير من الفيلم، بينما تسعى دلال عبدالعزيز لحشو مساحة كوميدية لفظية في حدود المتاح بشكل مقبول نسبيا.
ولعل مشهد الكوميديا الأكثر طرافة في الفيلم هو قيام أكرم حسني بإدارة مباراة كرة قدم في الدوري المصري أحد طرفيها نادي الزمالك، بينما يظهر رئيس النادي مرتضى منصور في المدرجات، ويعلق كابتن أحمد شوبير، على أحداث المباراة.
عنصر المبالغة يستمر حتى نهاية الفيلم مما يفقده الكثير من جاذبيته أمام الإلحاح على تقديم مواقف مفتعلة بهدف الإضحاك على طريقة "توم وجيري" ليتحول "البدلة" إلى "إسكتشات" أبعد ما تكون عن الكوميديا، مثلما لا تقدم أي دروس مستفادة تمنحنا قيمة أخلاقية وفنية يمكن أن تقيد شطحات المراهقين الذين يعشقون نجمهم الكوميدي الغنائي تامر حسني.. وتلك هي خطورة هذا النوع من الأعمال الفنية.
ويبقي أن إيرادات أفلام العيد لم تكشف طوال تاريخها عن جودة العمل الفني، خاصة الكوميدي، حيث يبحث جمهور الأعياد عن الضحك بأي ثمن، وكأنه يعقد صفقة مسبقة مع نفسه ومع نجمه المحبوب يرضى بمقتضاها على أن يضحك على أي لفتة أو انحناءة أو حتى نكتة غير لائقة، وهذا ما يفسر تربع هذه النوعية من الأعمال علي قمة الإيرادات في معظم الأحيان، لكن الأمر سرعان ما يتغير بمجرد انقضاء إجازة عيد الأضحى.