الرسوم الجمركية تكشف المستور عن السلع الفاخرة الأوروبية

لطالما باعت العلامات التجارية الفاخرة الأوروبية حقائب يد باهظة الثمن معتمدة على غموض مكان صنعها.
والآن، تُلقي الحرب التجارية الضوء على قيمة الإنتاج في أماكن متواضعة، مثل ورش عمل مدينة أوبريق الإسبانية، التي تنتج منتجات جلدية لعلامة شانيل ولويس فويتون وعلامات تجارية أخرى منذ سنوات، حيث تُوظف حوالي ربع سكان المدينة البالغ عددهم 16000 نسمة بهذا القطاع.
ويرتفع في المدينة تمثال ضخم لـ"باتاكابرا"، وهي أداة خشبية تُستخدم لتشكيل وتنعيم الجلود، على جانب الطريق المؤدي إلى المدينة تكريما للحرفة التي تقوم عليها المدينة.
وقال خوسيه أنطونيو باوتيستا، نائب عمدة المدينة، "نعيش جميعًا هنا على الجلود".
وبحسب ما أفادت صحيفة "وول ستريت جرونال"، تُزعزع رسوم الرئيس ترامب الجمركية أسس نموذج أعمال مدينة أوبريق الإسبانية، ونموذج صناعة السلع الفاخرة الأوسع نطاقًا.
ويوم الجمعة، هدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي.
ولطالما رسّخت العلامات التجارية الأوروبية صورةً مفادها أن ما تتبع به أوروبا من إرث تراثي قديم يُمكّن القارة من إنتاج سلعٍ تُناسب أذواق أكثر العملاء تميزًا في العالم، مُبرّرةً بذلك أسعارها الباهظة.
وفي حين أن هوامش الربح المرتفعة تُوفّر للعلامات التجارية بعض الحماية من الرسوم الجمركية، إلا أن سعي ترامب لنقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة أثار تدقيقًا مُجدّدًا في قيمة "صنع في أوروبا".
ومما يُقلق بعض العلامات التجارية، أن السلع الفاخرة المُصنّعة في أمريكا لن تحظى بنفس المكانة لدى المستهلكين.
وقال فرانسوا هنري بينولت، الرئيس التنفيذي للمجموعة المالكة لعلامات غوتشي وسان لوران وبالنسياغا، للمشرعين الفرنسيين في وقت سابق من هذا الشهر، "لا أجد معنى لتصنيع حقائب غوتشي الإيطالية في تكساس، هذا الأمر غير منطقي لعملائي، لا أستطيع تفسيره".
وتُثار تساؤلات حول جاذبية المنشأ الأوروبي في ثاني أكبر سوق لهذه الصناعة، وهي السوق الصينية.
وبعد إعلان ترامب عن رسومه الجمركية، غمرت موجة من مقاطع الفيديو تطبيق تيك توك، زاعمةً أنها تكشف التكلفة الحقيقية لسلع الرفاهية من خلال إظهار كيف يُمكن تزوير مجموعة من حقائب اليد الفاخرة - بما في ذلك حقيبة هيرميس بيركين، التي تُباع بأكثر من 10000 دولار أمريكي - بتكلفة زهيدة في مصنع صيني.
مدينة تأسست على صناعة الجلود
وسلّط التدقيق الضوء على أماكن مثل مدينة أوبريق الإسبانية، حيث يبدأ المتدربون في السنة الأولى بأجر يومي يُعادل نحو 30 دولارًا، بينما يتقاضى العمال الأكثر خبرة أجرًا يوميًا يُقارب 57 دولارًا، وفقًا لاتفاقية عمل محلية.
ومع ذلك، فإن نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة أسهل قولًا من الفعل، فقد افتتحت لويس فويتون ورشةً للسلع الجلدية في ألفارادو، تكساس، عام 2019 في إطار سعيها لتنويع التصنيع وتلبية الطلب المتزايد في أكبر أسواقها، لكن ثبت أن توسيع نطاق العمل في الولايات المتحدة صعب.
وواجه الموقع الذي أسسته لويس فويتون صعوبات متزايدة، إذ كافحت لويس فويتون لتوظيف وتدريب الحرفيين المحليين في تكساس.
وصرّح برنارد أرنو، الرئيس التنفيذي لشركة LVMH MCالمالكة لهذه العلامة، بأنه كان يخطط لتوظيف ألف موظف في المصنع عند افتتاحه، ولكن بعد سنوات، لم يوظف المصنع سوى حوالي 300 شخص - وهو توسع أبطأ من المتوقع، وتعزو الشركة ذلك جزئيًا إلى الجائحة.
وتلعب إسبانيا، بهدوء، دورًا محوريًا في سلسلة توريد المنتجات الفاخرة العالمية، وخاصةً في مجال المنتجات الجلدية.
ويتجلى ذلك جليًا في مدينة أوبريق، حيث ازدهرت حرفة الجلود في القرن التاسع عشر، بفضل وفرة إمدادات المياه في المدينة، وهي ضرورية لتليين الجلود وصبغها.
كما لعبت عزلة المنطقة وفقرها دورًا في ذلك، حيث كانت العائلات ترعى الماشية، بينما بدأت النساء في خياطة وتشطيب المنتجات الجلدية في المنزل.
وبحلول سبعينيات القرن الماضي، أصبحت أوبريق رمزًا للحرفية، حيث استقطبت علامات تجارية مثل ديور ولويفي.
واليوم، يعتمد صانعو الحقائب على شبكة إنتاج أوبريق الواسعة من الموردين، وصانعي الآلات المتخصصة، والمدابغ، ومراكز الخدمات اللوجستية التي تطورت معًا على مدى عقود.
ويُتيح قرب المدينة السرعة والمرونة، وهما أمران أساسيان في قطاعٍ يعمل باستمرار على ابتكار تصاميم جديدة.
ومع ذلك، صرّح أرنو مؤخرًا بأن المجموعة "ستُجبر حتمًا على زيادة إنتاجها الأمريكي" إذا فشل الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى اتفاق لتجنب رسوم ترامب الجمركية.
السرية سلاح العلامات الفخمة
وغالبًا ما تتعاون ورش العمل مع العلامات التجارية لتطوير نماذج أولية وتحسين المنتجات. وعززت العلاقات طويلة الأمد الثقة والتكتم، مما ساعد على حماية استراتيجيات التوريد والتصاميم غير المُصدرة.
وتُصنع حقائب شانيل في ورشة عمل سرية بدون لافتات، بينما تعتمد لويس فويتون على مورد عريق يمتلك عدة مواقع في أنحاء المدينة لإنتاج قطع، بما في ذلك حقيبة هوبو بسعر 3000 دولار.
وسيكون من الصعب، بل وسيستغرق سنوات، تكرار النظام البيئي الصناعي الغني لمدينة أوبريق في أماكن أخرى.
وكما لا يمكن العثور على تجمعات صناعية متماسكة مماثلة لمدينة توسكانا للسلع الجلدية أيضا، ولا "شو دو فون" للساعات السويسرية، ومدينة غراس الفرنسية للعطور.
وسبق أن هددت القوى الاقتصادية أوبريق، خلال الأزمة المالية عام 2008، حيث نقلت العديد من العلامات التجارية الفاخرة إنتاجها إلى دول أقل تكلفة مثل الصين، والنتيجة كانت إغلاق المصانع، وفقدان الوظائف، وأزمة اقتصادية.
وقال باوتيستا، نائب رئيس البلدية في أوبريق، "كنت ترى أناسًا لا يجدون ما يأكلونه يأتون إلى هنا طالبين المساعدة".
ولكن بعد بضع سنوات فقط، عادت العلامات التجارية، بعد أن أثبتت المصانع في الصين أنها عرضة لعدم حفظ الأصالة، فعندما تُسرّب مواصفات التصميم أو المواد، كان بإمكان المُقلّدين إغراق السوق بمنتجات مُقلّدة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY1IA==
جزيرة ام اند امز