هل عاد نشاط الإرهاب في سيناء؟.. رحلة الأعوام العشرة من الإخوان لداعش
لأنها مخبأ جيد بجغرافيا صعبة وترتبط بقطاع غزة الفلسطيني عبر أنفاق الهروب، لا تزال شبه جزيرة سيناء تعاني من النشاط الإرهابي بين لحظة وأخرى، وإن كانت ليست بالوتيرة السابقة بعد نجاح الجيش المصري في اقتلاع جذوره.
لماذا سيناء؟
اختار الإرهابيون سيناء لتكون مقرا لهم ونقطة ارتكاز لعملياتهم، لسببين، الأول جغرافياً حيث التضاريس الوعرة التي تجعل مطاردتهم مهمة شبه مستحيلة وتسهل لهم طريقة الاختباء، ولكونها متاخمة حدوديا مع قطاع غزة، وبينهما أنفاق متعددة تشكل مهربا ومنفذا لهم.
أما السبب الثاني اجتماعياً، فالحروب المتعددة بين مصر وإسرائيل والتي كانت سيناء مسرحا لها سبب في تأخير مشاريع التنمية والإعمار، فتحولت رويدا إلى بيئة طاردة للسكان واستقبلت عددا من الفارين من الملاحقات الأمنية السياسية والجنائية، وأصبحت حاضنة للفكر المتشدد والمتطرف بدرجة ما.
وبسبب الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، هرب عدد كبير من عناصر الجماعات التكفيرية إلى سيناء وتمكنوا من تشكيل بؤر إرهابية تمركزت في 3 مناطق هي جنوب الشيخ زويد، ومزارع المطار بالعريش، وشمال وجنوب رفح، وهي مناطق قريبة من الشريط الحدودي مع غزة تمكنوا من استخدام الأنفاق في تهريب الأفراد والسلاح إلى سيناء.
ومؤخرا هاجمت عناصر إرهابية نقطة "رفع المياه" غرب سيناء، وردّت القوات المسلحة المصرية فجر أمس بتنفيذ ضرباتها المركزة على عدد من البؤر الإرهابية للتفتيش عن المتورطين في الهجوم، وأسفر التفتيش عن تدمير عربتين دفع رباعي تستخدمها العناصر الإرهابية في تنفيذ مخططاتها الإجرامية، ومقتل 9 عناصر تكفيرية، واكتشاف وتدمير عدد من العبوات الناسفة المعدة لاستهداف الجنود المصريين، كما تمكنت القوات من إحباط محاولة للهجوم على أحد الارتكازات الأمنية، ونتيجة لأعمال قوات إنفاذ القانون نال شرف الشهادة ضابط و4 جنود، كما أصيب جنديان آخران.
وكان سقوط 17 شهيدا من الجيش المصري في عملية "محطة المياه" و4 في أثناء الملاحقات قد طرح العديد من التساؤلات حول مدى استعادة تنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم "داعش" الإرهابي قدراته العسكرية، وهل ثمة عودة محتملة للهجمات الإرهابية؟
وعزز هذه التساؤلات ما جاء في بيان "التحالف الدولي ضد داعش" خلال اجتماعه في مدينة مراكش المغربية، والذي أكد أن تنظيم "داعش" الإرهابي لا يزال يمثل "تهديدا مستمرا"، لهذا قرر المجتمعون مواصلة القتال ضد التنظيم عبر الجهود العسكرية والمدنية لإلحاق الهزيمة به.
ورقة الإخوان "المحروقة"
عقب ثورة 30 يونيو/ حزيران 2013، التي أطاحت بحكم الإخوان من مصر، اندلعت أعمال العنف في سيناء، واستهدفت في البداية المنشآت العامة مثل خط أنابيب الغاز أو شركات البترول، وذلك للضغط على الدولة المصرية وابتزازها بتحقيق وهم "عودة الرئيس المعزول".
وقد أعلنها صراحة القيادي الإخواني محمد البلتاجي وهو على منصة اعتصام رابعة العدوية المسلح بأن "الأحداث التي تقع في سيناء ستتوقف في اللحظة التي يعود فيها محمد مرسي"، وهو التهديد الذي رفضته الدولة المصرية والشعب الثائر على حكم الإخوان، وبدأت سلسلة من التفجيرات والأحداث الإرهابية.
مشروع داعش الوهمي بسيناء
عندما أعلن أبوبكر البغدادي إقامة ما يسمى "دولة الخلافة في العراق والشام" (داعش)، وانفصل بشكل واضح عن تنظيم "القاعدة" الإرهابي، أعلنت العديد من التنظيمات والجماعات الموجودة في سيناء انضمامها للتنظيم وقدموا البيعة له.
من تلك التنظيمات كان "أنصار بيت المقدس" و"جند الإسلام" و"أجناد مصر"، التي توحدت تحت عنوان "تنظيم داعش- ولاية سيناء" في 8 يوليو/تموز 2014، ونظموا عرضاً مسلحًا وطافوا بالشوارع المختلفة بقرى جنوبي الشيخ زويد ورفح، وهم يرددون هتافات مناصرة لـتنظيم "داعش" وأميره، ووزعوا منشورات تعلن مبايعة "البغدادي".
ازداد نشاط الجماعة الإرهابية وهجماتها ضد قوات الأمن المصرية والمتعاونين معهم، ودعت لاستهداف المسيحيين وكنائسهم، وفي 2014 استهدفوا نقطة تفتيش للجيش في "كرم القواديس"، وفي 2015 استهدفوا ناديا وفندقا للقوات المسلحة ومقر الكتيبة 101 في العريش، وشنوا سلسلة هجمات واسعة النطاق على نقاط تفتيش للجيش وفجروا القنصلية الإيطالية بالقاهرة عبر سيارة مفخخة.
عودة الدولة المصرية
شنت الدولة المصرية حملات موسعة لتطهير سيناء من البؤر الإرهابية، مثل عمليات "حق الشهيد"، التي بدأت 8 سبتمبر/ أيلول 2015، واستمرت تعمل على أربع مراحل وانتهت عام 2017.
وكان من نتائجها القضاء على القدرات العسكرية لتنظيم "داعش" واقتحام أوكار الجماعات الإرهابية في سيناء، ثم بدأت "العملية الشاملة" عام 2018 للقضاء على التنظيم نفسه وحققت الدولة نجاحا كبيرا في هذا الملف، وتزامنت عمليات التطهير المصرية المحلية مع الحرب على الإرهاب عالميا واستهداف "داعش" في كثير من ولاياته.
ظهور شبح داعش من جديد
من المؤكد أن تجارب القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي تختلف من دولة لأخرى ومن مجتمع لآخر، وبتقييم نتائج تجربة التحالف الدولي نجد أنه تمكن من القضاء على "دولة داعش" ولم يستطع القضاء على التنظيم، أما التجربة المصرية المحلية فتمكنت من القضاء على التنظيم ولم تتمكن من القضاء على العوامل المسببة لنشوئه أو عودته.
وحول احتمال نشاط "داعش" في سيناء من جديد، يرى اللواء أركان حرب عادل العمدة، المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية العليا وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن الإرهاب في سيناء لم يزُل، فهناك بقايا وفلول لم يتم القضاء عليها.
وقال لـ"العين الإخبارية": "لا توجد دولة في العالم لا تعاني الإرهاب، ولا توجد دولة ليس لديها متطرفون".
وأوضح أن "مصر لديها خبرة طويلة في مكافحة الإرهاب وقدمت رؤيتها للعالم، ونجحت إلى حد كبير في تقليص خطورة التنظيمات الإرهابية إلى الحد الأدنى".
وتابع: "عدد العمليات الإرهابية التي تمت خلال العامين الماضيين أقل بكثير من عدد بداية حملة التطهير، فعلى سبيل المثال شهد العام 2016 عدد 598 عملية مختلفة القوة، هذا العدد تقلص عام 2017 إلى 328 عملية، ومع بدء العملية الشاملة لمواجهة الإرهاب في سيناء تقلص هذا العدد إلى حد كبير، ففي خلال أربعة عوام فقط هي (18، 19، 20، 21) نفذ الإرهابيون 330 عملية".
وعن تجدد العمليات في سيناء أكد "العمدة" أن "ظاهرة الإرهاب عالمية والدولة المصرية قادرة على مواجهة أي ظهور جديد لداعش في سيناء أو غيرها من الأراضي المصرية، وأن أي محاولة لاستعادة قدراته ستبوء بالفشل".
تكتيك جديد لـ"داعش"
"ظهور داعش من جديد لا يعني استعادة قدراته التنظيمية، إنما يعني استخدامه تكتيكاً جديداً يتناسب مع حرب العصابات أو ما يسمى فقه المقاومة الشعبية"، هكذا قال الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية الدكتور عمرو عبد المنعم لـ"العين الإخبارية".
وأشار إلى استراتيجية "داعش" في سيناء وهي "حرب العصابات وأشهرها أسلوب (المصيدة والتنين)، وهي طريقة من طرق قتال الشوارع الميدانية، التي تعتمد على خفة الحركة والاختباء جيدا، بحيث ترى الآخر ولا يراك".
وأوضح أن "هدف هذا التكتيك أو الأسلوب خلق مناخ الانهيار، والمبدأ الأساسي فيه: عندما تتقدم السلطة نتراجع، وعندما تخيم نناوش، وعندما تتعب نهاجم، وعندما تتراجع نطارد".
ويفسر عودة العمليات الإرهابية في سيناء بقوله: "عندما بدأت الدولة المصرية في الاستقرار والبدء في التنمية، اعتبرها فلول داعش فرصة للمناوشة، فجاءت عملية غرب سيناء والهجوم على محطة رفع المياه".
ولفت عبدالمنعم إلى أنه من "المتوقع أن يقوم داعش بعملية أخرى هدفها الإرباك وشغل الرأي العام، فالتنظيم كان في حالة كمون حتى يطمئن الجميع ثم يأتي من عكس ما يُتوقع".
واختتم بقوله: "حتى لو ظهرت قدرات جديدة لداعش، فهي فى طريقها للانحسار، لكن تحتاج إلى وقت، ويجب أن تكون المواجهة مستمرة وشاملة، سواء أمنيا أو فكريا أو مجتمعيا".