مكافحة الإرهاب.. التوترات الجيوسياسية تعرقل تعاون الدول
تصدعات مقلقة في التعاون الدولي ضد الإرهاب، المسار الذي كان محل إجماع متجاوزا المنافسات الجيوسياسية قبل أن تطوقه ثغرات يستفيد منها داعش.
ووحّدت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الحكومات في كل أنحاء العالم حول الحاجة إلى اتحاد مقدس ضد الإرهاب، فيما أكد إنشاء خلافة تنظيم داعش في العراق وسوريا عام 2014، الحاجة الملحة إلى ذلك.
لكنّ المحللين والمسؤولين يشعرون بالقلق من تأثير التوترات الجيوسياسية التي تهز العالم، في وقت بدأ فيه تنظيم داعش يستعيد قدرة عملياتية.
وقال هانز-ياكوب شيندلر، المنسق السابق لفريق رصد طالبان وتنظيم داعش والقاعدة لصالح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: "كان الإرهاب الموضوع الذي حظي بالإجماع: حقيقة أن هاتين المجموعتين (..) تهددان الجميع بالشدة نفسها".
وأضاف شيندلر لوكالة فرانس برس: "هذا الموقف ضعف كثيرا وهو أمر مؤسف، والعمل في مجلس الأمن أصبح صعبا جدا".
وأعطى الهجوم الذي استهدف موسكو في 22 مارس/آذار الماضي صورة عن الوضع السائد، حيث أكّدت الولايات المتحدة أنها حذرت روسيا من هجوم محتمل في عاصمتها، إلا أن الكرملين المنشغل بالحرب في أوكرانيا، نفى ذلك ويتهم كييف بالوقوف وراء الهجوم.
الإرهابيون "لم يهزموا"
كشف اتصال هاتفي الأربعاء بين وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن خلافات عميقة بشأن الهجوم الذي استهدف صالة "كروكوس سيتي هول" للحفلات الموسيقية في ضاحية موسكو.
فقد جدد خلاله لوكورنو "استعداد فرنسا لإجراء مزيد من الاتصالات" مع روسيا من أجل محاربة "الإرهاب"، طالبا من موسكو "الكف عن استغلاله" ليكون الرد الروسي "نأمل بألا تكون (..) الأجهزة الخاصة الفرنسية وراء ذلك".
وفي عام 2015، اعتمدت واشنطن توجيها يفرض "واجب تحذير" قوة أجنبية من تهديد مؤكد.
وهو قرار مبرر بحسب خبيرَي الأمن الدوليين كولين كلارك ومارك بوليمروبولوس اللذين أوضحا لصحيفة "بوليتيكو" أن "المجموعات الإرهابية العابرة للحدود لا تعترف بالتحالفات ولا الحدود".
وأشار الخبيران إلى أن تنظيم داعش يهدد الولايات المتحدة والصين وروسيا وإيران في آن واحد.
والدليل على ذلك استهداف تنظيم داعش مدينة كرمان الإيرانية في يناير/كانون الثاني الماضي (90 قتيلا) وكنيسة كاثوليكية إيطالية في إسطنبول (قتيل) بعد فترة وجيزة، وفندقا يرتاده صينيون في أفغانستان عام 2022 (5 جرحى). وقد تم تفكيك العديد من الشبكات في أوروبا أخيرا.
من جهته، أعرب ياكوب-شيندلر الذي يشغل الآن منصب مدير منظمة "كاونتر إكستريمزم بروجيكت" غير الحكومية، عن أسفه لتلكؤ القوى العظمى.
وقال إنه مع هزيمة تنظيم داعش (2014-2019) والانسحاب الأمريكي من أفغانستان عام 2021 "نكون قد ابتعدنا عن منطقة الصراع المباشر وتركنا هذه التنظيمات تعيد تعزيز قوتها".
واعتقدت الحكومات أن "الموجة الكبيرة من الهجمات انتهت، وهو أمر لم يكن خاطئا تماما، لكن ما لم يعترف به المجتمع الدولي هو أننا لم نهزم القاعدة ولا داعش (..) لقد بدأنا ندفع الثمن".
"قنوات مفتوحة"
بناء على ما تقدم، يتضح "أننا نواجه منذ سنوات تحولات كبيرة في العلاقات الدولية، لا سيما صعود قوة من خارج أطر الدولة"، كما كتب أوغو ميشرون، المتخصص في العلوم السياسية بصحيفة "لو فيغارو" الفرنسية.
وقال ميشرون في مجلة "لو غران كونتينان": "فيما اعتقدنا أن البؤر المشتعلة ما بعد الحرب الباردة منحصرة في أوكرانيا، لا تترك لنا المنظمات الإرهابية إلا أخذ القوى التي تخرج عن مفهوم معاهدة ويستفاليا في الاعتبار".
وحذر من أن "الحركات الإرهابية المختلفة هي لاعبة جيوسياسية في حد ذاتها ويجب أخذها في الاعتبار"، مشددا على أن تنظيم داعش "لن يتوانى عن استغلال نقاط الضعف التي تشوب التعاون الدولي".
لكن هذا التعاون ربما لم يمت بعد. فقد أكّد مسؤول فرنسي رفيع في ردّ على سؤال لوكالة فرانس برس مطلع الأسبوع، أنه وراء المشاحنات الدبلوماسية "ثمة قنوات تبقى مفتوحة، بما يشمل المستوى الأعلى في الدولة الروسية".
وأضاف المسؤول طالبا عدم كشف اسمه: "لا يمكننا أن نقول إن التعاون انقطع"، موضحا أنه في حال اكتشاف فرنسا خطة لتنفيذ اعتداء في روسيا "سنحذرّهم، وليس لدينا أي سبب للاعتقاد أنهم لن يقوموا بالمثل حيالنا".
aXA6IDE4LjIyMC4xMTIuMjEwIA==
جزيرة ام اند امز